نبيل أبوالياسين: سوريا تحت المقصلة الأمريكية.. من وعود الإعمار إلى إملاءات التطبيع
بين ليلة وضحاها، تحوّلت الوعود الأمريكية بالغوث إلى صفقات مساومة على الكرامة، فبعد أشهر قليلة من رفع العقوبات عن سوريا في منتصف عام 2025 تحت ذريعة "تخفيف المعاناة"، يكشف السفير الأمريكي في إسرائيل، مايك هاكبي، عن الوجه القبيح لهذه اللعبة.
تصريحه الصريح بربط بقاء النظام السوري الجديد بالتطبيع مع إسرائيل ليس مجرد تهديد عابر، بل هو تجسيد حي لأجندة استعمارية جديدة ترتدي ثوب المساعدات.
إنها مقامرة واشنطن بمصير أمة، حيث تُستخدم لقمة عيش السوريين وحاجتهم للإعمار كرهان لانتزاع تنازلات استراتيجية.
فالدبلوماسية الأمريكية، في عهد إدارة ترامب الثانية، لم تعد تخجل من ممارسة الابتزاز العلني، مُحوّلة السيادة الوطنية إلى سلعة في "بورصة الولاء" لتل أبيب.
فخ الإعمار: الوعود الذهبية والأغلال الخفية
لقد مثّل رفع العقوبات الأمريكية المفاجئ عن سوريا وإلغاء "قانون قيصر" في منتصف عام 2025 الطُعم الذهبي الذي نثره الصياد الأمريكي.
لم يكن ذلك القرار انقلاباً في السياسة أو تفكيراً إنسانياً، بل كان خطوة استراتيجية محسوبة ضمن "سيناريو معد سلفاً".
لقد حاولت واشنطن تقديم نفسها كمُنقذ من الأزمة الاقتصادية الخانقة، واعداً بمليارات الدولارات لإعادة الإعمار.
لكن تلك المليارات، كما تثبت الأحداث، لم تكن سوى "قيداً ذهبياً" صُمم بعناية ليكون أداة ضغط لا تقاوم.
لقد حوّلت واشنطن الحاجة الماسة للسوريين إلى بناء وطنهم من جديد إلى ورقة مساومة قذرة، حيث أصبح كل دولار وعداً به مشروطاً بتفكيك إرادة البلاد وبيع سيادتها في سوق الصفقات السياسية المُغرية.
مقصلة التطبيع: تهديد هاكبي وسقوط الأقنعة
جاءت تصريحات السفير الأمريكي في إسرائيل، مايك هاكبي، لتكشف النوايا وتزيل آخر الأقنعة عن ما يُسمى "الدبلوماسية الأمريكية".
إن قوله بأن على النظام السوري الجديد "التطبيع مع إسرائيل إذا أراد الحفاظ على حكمه" هو ليس مجرد رأي دبلوماسي، بل هو "إنذار نهائي" يعكس عقلية البلطجة السياسية السائدة.
هاكبي، الذي ينتمي إلى مدرسة فكرية تنفي حتى مفهوم "الاحتلال"، يمارس الآن سياسة "المقايضة على الوجود" بشكل صارخ.
هذا التهديد المباشر يمثل سقوطاً كاملاً للأهلية الأخلاقية لواشنطن، ويجسد تحوّلها من فاعل دولي إلى "سمسار حروب" و"مرتزق سياسي" يعمل لصالح أجندة أحادية تخدم الأمن الصهيوني على حساب استقرار دول بأكملها وتقرير مصير شعوبها.
من دماء غزة إلى فخ دمشق: سقوط القناع عن "إنسانية" واشنطن المزعومة
عاشت شعوب المنطقة حالة من الذهول والريبة إزاء هذا التحول الأمريكي المفاجئ؛ فكيف لواشنطن التي انغمست حتى أذنيها في دعم العدوان على غزة وشرعنة جرائم الحرب، أن تتحول بين ليلة وضحاها إلى "راعية للإعمار" في دمشق؟ لقد كان سر هذا "السخاء" المفاجئ لغزاً حير المراقبين، لكن تصريحات هاكبي كسرت هذا الغموض وكشفت الحقيقة المرة: إن من تلطخت يداه بدماء الأطفال في غزة لا يمكن أن يحمل خيراً لأطفال سوريا.
لقد أثبتت الأحداث أن "المغازلة" الأمريكية لم تكن سوى طُعم في فخ أكبر، وأن "الجزرة" المقدمة ما هي إلا ستار لحمل "الهراوة" ذاتها: هراوة الابتزاز الصهيوني التي تستهدف كسر إرادة الأمم وليس بناء أوطانها. إنها نفس العقلية الاستعلائية التي ترى في دمشق وغزة رقعتين في نفس رقعة الشطرنج الكبرى.
المعادلة السورية الصعبة: بين مطرقة الابتزاز وسندان السيادة
تُلقي التصريحات الأمريكية الإسرائيلية بثقلها على كاهل الإدارة السورية الجديدة، وتضعها أمام معادلة وجودية شبه مستحيلة.
من جهة، هناك حاجة ماسّة وملحة لتدفق الاستثمارات ورفع العقوبات بشكل حقيقي لإعادة بناء ما دُمّر وانتشال الشعب من برك الفقر.
ومن جهة أخرى، يقف شرط مهين يمس جوهر السيادة ويتعارض مع إرث وطني طويل من الصراع حول الحقوق المغتصبة، وأهمها الجولان السوري المحتل.
إن قبول هذه الصفقة يعني تحويل سوريا إلى "حارس حدود" للمشروع الصهيوني، وفك ارتباطها بمحور المقاومة، والتنكر لتضحيات شعبها.
بينما يعني رفضها التعرض لحصار اقتصادي وسياسي قد يعيد البلاد إلى مربع المعاناة.
إنها مقامرة مصيرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
الردود والمآلات: نحو رفض منطق الإملاءات
في مواجهة هذا الابتزاز الصريح، تبرز ضرورة التمسك بخيار "البراغماتية المتوازنة" الذي تتبناه دمشق، ولكن مع رفض قاطع لمنطق الإملاءات.
إن أي خطوة نحو التطبيع تحت التهديد ستفقد شرعيتها الشعبية وتُفقد النظام الجديد حاضنته الأساسية.
يجب أن يكون الرد السوري والعربي موحداً وقوياً، مؤكداً أن الشرعية لا تستمد من تل أبيب أو واشنطن، بل من إرادة الشعب وصموده.
إن التركيز على بناء تحالفات إقليمية حقيقية مع دول مثل تركيا والدول العربية الرافضة لهذا النهج الابتزازي، والسعي لتنويع مصادر الدعم الاقتصادي بعيداً عن الشروط السياسية المذلة، هو السبيل الوحيد لكسر هذه الدائرة.
لقد حان الوقت لأن تدرك العواصم العربية أن "الهبات الأمريكية" هي دائمًا ديون سياسية بفوائد باهظة تُدفع من كرامة الأمة.
وختامًا: لقد انكشف المسار الأمريكي بوضوح الشمس: تحويل دمشق، ومن قبلها غيرها، إلى حلقة مكبلة في سلسلة التبعية المطلقة.
إن تهديد هاكبي ليس سوى فصل جديد من فصول مسرحية الهيمنة التي تتعامل فيها واشنطن مع المنطقة كحقل تجارب لمشاريعها، ومع شعوبها كقطع شطرنج.
إنها سياسة "الابتزاز باللقمة" التي تستغل حاجة الإنسان للخبز والدواء لتسويق أوهام السلام الزائف وتثبيت أمر الواقع الصهيوني.
لكن تاريخنا يعلمنا أن الشعوب التي تُبتز بلقمة عيشها قد تقبل مؤقتاً، لكنها لا تنسى ولا تسامح.
أمام هذا التحدي المصيري، لا خيار لسوريا والعرب إلا مقاومة هذا الفخ بكل قوة، وبناء الاقتصاد من الداخل، وتعزيز التضامن الإقليمي الحقيقي.
فثمن الركوع في "بورصة الولاء" الأمريكي-الصهيوني هو فقدان الهوية والكرامة والأرض.
لن يكون مستقبلنا رهناً بإذن من هاكبي أو غيره، ولن يُباع الجولان ولا السيادة في سوق المساومات.
إن تحدي الابتزاز اليوم هو معركة وجود، والفشل فيها يعني قبول أن نكون مجرد أرقام في حسابات "سماسرة الحروب" في واشنطن وتل أبيب. الكرامة لا تُباع، والسيادة لا تُرهن.
- سوريا
- الجزر
- الشطرنج
- الاستثمار
- التطبيع
- بورصة
- الوقت
- الصفقات
- الحروب
- أبوالياسين
- الصراع
- عمل
- مشروع
- العدوان
- الاقتصاد
- تل أبيب
- أبو
- الشمس
- التضامن
- الغوث
- السلام
- الأمريكية
- جرائم الحرب
- الاحتلال
- الذهب
- الحرب
- واشنطن
- سلع
- دية
- ملح
- المنطقة
- أمن
- اقتصاد
- حكم
- الدواء
- الإستثمارات
- داره
- استثمارات
- ضغط
- وقت
- آلام
- الفقر
- ترامب
- الدولار
- مراقب
- الاقتصادية
- الصف
- إسرائيل
- دمشق
- قنا
- الاقتصادي
- الدول
- تجار
- نبيل أبوالياسين
- القارئ نيوز



