هل يجوز صيام يوم 13 من ذي الحجة؟.. الإفتاء تحسم الجدل الشرعي

صيام يوم 13 من شهر ذي الحجة كان ولا يزال موضع تساؤل لدى الكثير من المسلمين، خاصة أولئك الذين اعتادوا الالتزام بصيام الأيام البيض من كل شهر عربي، ومع اقتراب موعد هذه الأيام في شهر ذي الحجة، يتكرر السؤال عن حكم صيام اليوم الثالث عشر تحديدًا، وهل يجوز اعتباره ضمن الأيام البيض التي يُستحب صيامها كما ورد في السنة النبوية، هذا التساؤل المهم سيجاوب عنه القارئ نيوز من خلال ما أعلنته «دار الإفتاء» المصرية عبر منصاتها الرسمية.
تحريم صيام خمسة أيام في السنة
أوضحت «دار الإفتاء» في بيان ديني صادر عنها أن هناك خمسة أيام في السنة حرم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم «صيامها»، وهذه الأيام هي: يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى، بالإضافة إلى ثلاثة أيام تُعرف بـ«أيام التشريق»، وهي الأيام التي تلي عيد الأضحى مباشرة، أي أيام 11 و12 و13 من شهر ذي الحجة، حيث بيّن النبي الكريم أن هذه الأيام ليست محل عبادة الصيام، وإنما هي أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى، ولذلك لا يجوز للمسلم أن ينوي «صيام» هذه الأيام أو أن يؤدي فيها عبادة الصيام بأي وجه من الوجوه.
صيام الأيام البيض في ذي الحجة
وفي هذا الإطار، جاء استفسار من أحد المواطنين إلى «دار الإفتاء» المصرية عبر موقعها الرسمي، يسأل فيه عن حكم «صيام» يوم 13 من ذي الحجة ضمن الأيام البيض الثلاثة التي درج على «صيامها» في كل شهر هجري، مؤكدًا أنه ليس من الحجاج هذا العام، وقد تعود على «صيام» الأيام البيض كعادة شهرية يحرص عليها طلبًا للأجر والثواب.
ردّت «دار الإفتاء» على هذا السؤال بفتوى شرعية مبنية على الأحاديث النبوية الصحيحة، أكدت فيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بالفعل بـ«صيام» الأيام البيض من كل شهر عربي، وهي أيام 13 و14 و15، كما رغب في «صيام» يوم عرفة لغير الحاج، و«صيام» عاشوراء مع يوم قبله أو بعده، و«صيام» ستة أيام من شهر شوال عقب عيد الفطر، معتبرًا أن في هذه الأيام فضلًا عظيمًا وأجرًا كبيرًا لمن يصومها ويحتسبها عند الله عز وجل.
الاستثناء في أيام التشريق
لكن الفتوى نفسها أوضحت أن يوم 13 من شهر ذي الحجة، على الرغم من كونه اليوم الأول من الأيام البيض في هذا الشهر، إلا أنه لا يجوز «صيامه» بسبب كونه من «أيام التشريق» المحرمة فيها عبادة الصيام، وأن من قام بـ«صيام» هذا اليوم لا يُحتسب له هذا «الصيام»، بل يعد فعله غير مشروع شرعًا ومخالفًا لهدي النبي، مشيرة إلى أن الحكم في ذلك ينطبق سواء على الحاج أو غير الحاج، لأن تحريم «صيام» أيام التشريق عام لجميع المسلمين وليس خاصًا بفئة منهم دون أخرى.
النية لا تُغير الحكم الشرعي
وشددت «دار الإفتاء» على أن النية الحسنة في «صيام» هذا اليوم لا ترفع عنه صفة التحريم، إذ إن الشريعة قد بينت مواقيت العبادات وحدودها، وجعلت بعض الأوقات محرمة للصيام لحكمة أرادها الله، ومنها أن «أيام التشريق» هي أيام عيد وأكل وذكر لله، وليست أيام امتناع عن الطعام، وبالتالي فإن إدراج يوم 13 من ذي الحجة ضمن نية الأيام البيض لا يُضفي عليه مشروعية، ولا يجعل «صيامه» جائزًا، لأن النهي الشرعي في هذه الحالة مقدم على رغبة المكلف.
حكمة النهي عن صيام أيام التشريق
من جهة أخرى، تناول عدد من علماء الأزهر الشريف وعلماء الحديث الحكمة من النهي عن «صيام» أيام التشريق، مشيرين إلى أن هذه الأيام خصصها الله تعالى ليكون فيها إظهار للفرح والسرور عقب أداء فريضة الحج، وللتوسعة على النفس والأهل، كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصفها بأنها «أيام أكل وشرب وذكر لله»، مما يدل على أن المقصد منها مخالف تمامًا لما تقتضيه عبادة «الصيام» من إمساك وتضييق.
الأحاديث الدالة على التحريم
استشهدت «دار الإفتاء» بعدد من الأحاديث النبوية لتأكيد هذا الحكم، منها ما رواه الإمام مسلم عن نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ»، وهو حديث واضح الدلالة على أن هذه الأيام ليست محلًا للامتناع عن الطعام، ومن ثم لا يجوز فيها «الصيام»، وقال بعض الفقهاء إن هذا النهي مقصود لذاته، وليس لسبب عارض، مما يوجب على المسلمين الامتثال لأمر الشارع.
تأكيدات متكررة من الإفتاء
وختمت «دار الإفتاء» بيانها الديني بدعوة المسلمين إلى ضرورة الالتزام بالأحكام الشرعية في مسألة «الصيام»، وعدم اجتهادهم في أمور قد تكون واضحة في النصوص النبوية، مؤكدة أن «صيام» يوم 13 من ذي الحجة لا ينعقد شرعًا، ولا يُقبل ممن نواه، سواء نواه مستقلاً أو ضمن الأيام البيض، لأن الشرع نهى عنه بشكل قاطع.
وأكدت أن المسلم إذا رغب في تحصيل أجر الأيام البيض في هذا الشهر فعليه أن يبدأ «صيامه» من يوم 14 و15 فقط، وأن يؤجل «صيام» يوم 13 إلى شهر آخر، حيث لا يكون فيه مانع شرعي من الصيام، وهكذا يكون قد جمع بين اتباع السنة ونيل الثواب، دون الوقوع في مخالفة شرعية.
حكم «صيام» يوم 13 من ذي الحجة محسوم شرعًا، وموقف «دار الإفتاء» المصرية واضح وصريح في هذا الشأن، ولا مجال فيه للتأويل أو الاجتهاد، فاليوم داخل ضمن «أيام التشريق» التي نهى عنها النبي، وبالتالي فإن «الصيام» فيه غير جائز، مهما كانت النوايا، والأفضل للمسلم أن يلتزم بما ورد في السنة من توجيهات، فإن فيها الخير كله.