هل تبطل الصلاة إذا جهر المصلي في العصر؟ إليك الحكم الشرعي

الصلاة هي عماد الدين وأساس الطمأنينة في حياة المسلم، ومن بين الصلوات الخمس المفروضة تحتل «صلاة العصر» مكانة عظيمة خصها الله تعالى بالذكر في كتابه الكريم حين قال «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين»، حيث أشار العلماء في تفسيرهم إلى أن المقصود بـ«الصلاة الوسطى» في هذه الآية الكريمة هي صلاة العصر، وذلك لما لها من منزلة عظيمة وأهمية كبرى في تنظيم حياة المسلم، ومع ذلك قد يقع البعض في خطأ أثناء تأديتها كأن يجهروا بالقراءة فيها سهوًا رغم أنها صلاة سرية مما يثير تساؤلات هامة حول مدى صحة الصلاة وما إذا كان يجب إعادتها أو الاكتفاء بسجود السهو.
الجهر في «صلاة العصر» بالخطأ، هل يُبطل الصلاة؟
يتكرر سؤال مهم بين المصلين وخاصة من وقعوا في الخطأ سهوا أثناء أداء «صلاة العصر» وهو هل يجب إعادة الصلاة إذا تم الجهر فيها عن غير قصد؟ وردًا على ذلك أوضحت دار الإفتاء المصرية الحكم الشرعي لهذا الأمر، حيث أكدت أن الجهر أو الإسرار من «هيئات الصلاة» وليس من أركانها أو شروطها، وأن الخطأ فيها لا يبطل الصلاة طالما لم يكن عن عمد أو استهزاء.
وأوضح الدكتور أحمد وسام، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، أن المسلم إذا جهر في «صلاة العصر» وهو ناسٍ فإنه لا يُطلب منه إعادة الصلاة ولا يجب عليه سجود السهو، لأن هذا النوع من السهو لا يُخل بصحة الصلاة، كما أن الجهر والإسرار في الأصل من السنن، ومن ترك السنة ناسيًا لا يؤثم ولا يُعاد عليه الفرض.
ماذا تعني «الصلاة الوسطى» ولماذا تُنسب إلى العصر؟
ورد في كتاب الله عز وجل ذكر «الصلاة الوسطى» في قوله تعالى من سورة البقرة «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين» وقد اختلف العلماء في تحديد المقصود منها، حيث بلغ عدد الآراء المختلفة عشرين رأيًا بحسب ما ورد في كتاب «فتح الباري»، ومن أبرز هذه الأقوال رأي الإمام مالك والشافعي بأن الصلاة الوسطى هي صلاة الصبح، لكن الأغلبية من أهل العلم رجحت أنها «صلاة العصر».
ويستند هذا الرأي إلى روايات عدة منها ما رواه الترمذي والنسائي عن الصحابي زر بن حبيش، والذي قال إنهم سألوا عبيدة عن الصلاة الوسطى فاستفهم بدوره من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي قال إنه كان يظن أنها الفجر إلى أن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب «شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر»، ما يدل على أن النبي حددها بنفسه.
لماذا سميت «صلاة العصر» بهذا الاسم؟
عند النظر إلى لفظ «الوسطى» في اللغة نجد أنه لا يقتصر فقط على المعنى الحسابي أو الترتيب المكاني، بل يتعدى ذلك ليعني «الأفضل» أو «الأرقى»، وهو ما تؤكده آية أخرى في القرآن الكريم تقول «وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس»، أي أن الأمة الوسط هي الأرقى مقامًا والأعلى منزلة.
وبناء على هذا التفسير فإن «صلاة العصر» تُعد الصلاة الوسطى لأنها تمثل المرتبة الأعلى بين الصلوات المفروضة، ومن استطاع المواظبة عليها فإنه قادر على الحفاظ على باقي الصلوات، حيث شبّه العلماء هذه الصلاة بالخيط الذي يشد عقد المسبحة، فإذا انفرطت ضاعت الحبات، وإذا تمسك بها المسلم فقد ثبتت صلاته وانتظم دينه.
أهمية المواظبة على «صلاة العصر» في وقتها
ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم عدد من الأحاديث التي تؤكد على أهمية «صلاة العصر» والحرص على أدائها في وقتها، فقد قال عليه الصلاة والسلام «من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتر أهله وماله»، وهو تعبير بالغ في تصوير الخسارة الروحية والمعنوية التي يتعرض لها المسلم إذا أهمل هذه الصلاة أو أخرها عن وقتها.
كما أن الالتزام بهذه الصلاة ينعكس على سلوك المسلم ويمنحه نوعًا من الانضباط الروحي والذهني، ويعينه على أداء باقي العبادات بشكل أفضل، لذلك كانت «صلاة العصر» بمثابة معيار للثبات على الدين وحسن العلاقة مع الله عز وجل.
هل يسجد من جهر في صلاة العصر للسهو؟
في حالة الجهر غير المقصود أثناء أداء «صلاة العصر»، فقد بيّن العلماء أن سجود السهو لا يكون واجبًا لأن هذا الجهر لم يتسبب في خلل بأركان الصلاة أو ترتيبها، كما أن السهو في «هيئة الصلاة» لا يوجب سجودًا، ومن ثم فإن الصلاة صحيحة تمامًا ولا يلزم من ارتكب هذا الخطأ أي تصرف إضافي.
ومع ذلك فإن إدراك المصلي لهيئة الصلاة والحرص على الالتزام بها يُعد من علامات الإحسان في العبادة، ويستحب للمسلم أن يتعلم ويذكر نفسه دائمًا بأحكام الصلاة وهيئاتها حتى لا يقع في السهو أو الخطأ.
توجيهات للمصلين للحفاظ على أداء الصلاة الصحيح
من المهم أن يحرص المسلم على تعلم تفاصيل كل صلاة من الصلوات الخمس، وأن يعرف متى تُجهر ومتى تُسر القراءة فيها، وأن يدرك أن «صلاة العصر» تؤدى سرًا لأن هذا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كما يجب استحضار نية الخشوع والتدبر أثناء الصلاة لأن ذلك يعين القلب على التثبت والفكر على التركيز.
وينبغي أن يدرك المصلي أن السهو لا يعني فساد الصلاة دائمًا، فالله سبحانه وتعالى رحيم بعباده، ورسوله الكريم علمنا أن الخطأ والنسيان لا يُحملان على المسلم إذا لم يكن هناك تعمد، لقوله صلى الله عليه وسلم «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه».