«تصدّقت دون علمه».. هل تُؤثم الزوجة إذا أنفقت من مال زوجها سرًا؟

مال الزوج من المسائل التي تثير الكثير من التساؤلات بين الأزواج، خاصة عندما يتعلق الأمر باستخدام هذا المال من قبل الزوجة دون علمه أو إذنه، ومن بين هذه الحالات الشائعة مسألة إخراج «الزوجة صدقة من مال زوجها» دون الرجوع إليه، وهل يعد هذا التصرف إثماً أم مقبولاً شرعاً إذا كان النية فيه خالصة لوجه الله تعالى؟.
وقد ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية من سيدة تسأل «هل يجوز للزوجة التصدق من مصروف البيت دون علم الزوج؟» موضحة أنها ترغب في إخراج هذه الصدقة على روح خالتها المتوفاة، وجاء الرد من الشيخ «محمد عبد السميع» أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية ليؤكد أن هذا التصرف لا يصح إلا بعد إبلاغ الزوج وأخذ إذنه بشكل مباشر وواضح.
استئذان الزوج شرط لا بد منه
أوضح الشيخ محمد عبد السميع أن الزوجة لا يجوز لها أن تتصرف في مال زوجها دون أن تعلمه أولاً، فحتى إذا كانت النية صالحة و«الصدقة» ستذهب لوجه الله تعالى فلا بد من أن تُعلمه أن هناك مبلغاً معيناً قد تبقى من مصروف البيت وأنها ترغب في إخراجه كصدقة عن روح قريبتها، فإن وافق الزوج على ذلك فلا مانع شرعاً.
وأضاف الشيخ أن «المال» الذي في يد الزوجة من نفقة البيت لا يعتبر ملكاً لها، بل هو أمانة مؤقتة لتدبير شؤون المنزل، وبالتالي فإن التصرف فيه دون الرجوع إلى الزوج هو إخلال بهذه الأمانة، وإن كانت النية فيه خيّرة.
المال أمانة.. وموافقة الزوج واجبة
الزوجة مطالبة بأن تتعامل مع «مال» زوجها بكل أمانة وشفافية، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بأمور مثل «الصدقة» أو الهبات، وهنا فإن الأمر لا يتعلق فقط بموافقة الزوج، بل أيضًا بتأكيد الثقة والاحترام المتبادل بين الطرفين، حيث إن مثل هذه التصرفات قد تؤدي إلى سوء تفاهم أو حتى خلافات داخل الأسرة إذا ما تمت دون اتفاق.
وشرعاً، الأصل في مال الإنسان أنه لا يجوز التصرف فيه من قبل الغير إلا بإذن واضح وصريح، والزوجة ليست استثناء من هذه القاعدة، وهذا ما أكدته الفتوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية.
حكم الأخذ من مال الزوج دون علمه في حال التقصير
ومن جانب آخر، أوضح الدكتور «علي جمعة» مفتي الجمهورية السابق، أن هناك استثناءات على هذا الحكم تتعلق بحالات معينة، فمثلاً إذا كان الزوج لا ينفق على زوجته وأولاده كما ينبغي، فإن للزوجة أن تأخذ من ماله دون علمه ولكن بالقدر الذي يكفيها ويكفي أطفالها.
وساق فضيلة المفتي الحديث الصحيح الذي ورد في البخاري ومسلم عن السيدة هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان رضي الله عنهما، والتي قالت للنبي ﷺ: «إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني ويكفي أولادي إلا ما أخذته من ماله بغير علمه فهل لي في ذلك من حرج؟» فقال ﷺ: «خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك».
وهذا الحديث يُعد دليلاً شرعياً واضحاً على أن أخذ الزوجة من مال زوجها دون علمه جائز فقط إذا كان الزوج مقصراً في أداء واجبه في الإنفاق، أما في غير ذلك من الحالات فالأصل هو ضرورة الاستئذان.
التوازن بين الحقوق والواجبات
إن العلاقة بين الزوجين لا ينبغي أن تُدار بمنطق «شركة مالية» أو حسابات دقيقة تُسجل بالورقة والقلم، بل هي مؤسسة قائمة على المودة والتفاهم والتسامح، ومع ذلك فإن «مال» كل طرف يجب أن يُحترم وتُراعى فيه الضوابط الشرعية.
والتصرف في المال لا يجب أن يكون سبباً في خلق مشاكل أسرية أو تهديد الثقة، فالحكمة تقتضي الحوار بين الزوجين والتفاهم المسبق، خاصة في الأمور التي قد تؤثر على ميزانية الأسرة أو ترتبط بقرارات مالية كبرى.
الصدقة لا تبرر مخالفة الأمانة
على الرغم من أهمية «الصدقة» ومكانتها في الإسلام إلا أن أداء هذا الفعل النبيل لا يجب أن يكون على حساب الأمانة أو مخالفة المبادئ، فالله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً صواباً، والخطأ في الوسيلة قد يُبطل أجر العمل مهما كانت نيته حسنة.
فلو قامت الزوجة بإخراج الصدقة من مال زوجها دون علمه مع أن الزوج من عادته أن يرفض هذا الأمر أو لا يقبل به، فإن ذلك قد يكون سبباً في تأثمها، لا سيما إذا وقع الضرر أو ترتبت عليه خلافات أو مشاكل داخل الأسرة.
المال في الشريعة.. بين الحقوق والتصرف
تؤكد الشريعة الإسلامية على احترام «المال» وحفظه وعدم التعدي عليه، وهو من المقاصد الأساسية التي جاءت الشريعة لصيانتها، فلا يجوز أخذ المال أو التصرف فيه دون إذن إلا في حالات الضرورة وبالحد الأدنى.
والزوجة في هذه الحالة ليست استثناء، حتى وإن كانت القصد من تصرفها نبيلاً، فلا بد من مراعاة ضوابط الشرع والرجوع إلى الزوج في كل ما يخص ماله، خاصة إذا كانت هذه التصرفات متكررة أو مؤثرة.
الصراحة تضمن استقرار الأسرة
الصراحة بين الزوجين هي أحد أهم الأسس التي تضمن استقرار الأسرة، والتصرفات المالية لا بد أن تكون جزءاً من هذا الوضوح، فإذا رغبت الزوجة في إخراج صدقة من مال الزوج، فالأفضل أن تعرض عليه الفكرة وتطلب منه أن يقوم هو بالإخراج إن رغب، أو أن يسمح لها بذلك.
فمثل هذه المبادرات تعزز الثقة وتُبقي المشاعر الدافئة قائمة، ولا تترك مجالاً للشك أو التوتر، لا سيما أن قضايا المال في الحياة الزوجية كثيراً ما تكون سبباً في النزاع.