الأحد 29 يونيو 2025 الموافق 04 محرم 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة

الحاجب المنصور.. حين أرعب أوروبا وجعل الأجراس تقرع خوفا لا فرحا

الحاجب المنصور
الحاجب المنصور

«الحاجب المنصور».. حين تذكر أمجاد الأندلس، يسطع نجم قائد قل أن يجود الزمان بمثله.. رجل كتب اسمه في صفحات التاريخ بحروف من نار وذهب، قائد لم يهزم في معركة واحدة، ودوى اسمه في عواصم أوروبا، فأصبح صدى وقع أقدام فرسه على الأرض كفيلاً بإسكات الأجراس. إنه الحاجب المنصور، الذي قال عنه الأوروبيون يومًا: «لا تعرف طرقاتنا السلام إلا إذا مات المنصور!».

«ابن الجزيرة الخضراء».. الفتى الذي صعد من لا شيء!

اسمه الحقيقي محمد بن أبي عامر المعافري، وُلد عام 938م (326 هـ) في جنوب الأندلس، من أسرة عربية بسيطة.

 لم تكن لديه أصول ملكية ولا نسب نبيل، لكنه امتلك شيئا أهم: طموح لا تحده حدود، وذكاء خارق جعله يحفر طريقه وسط نخبة قرطبة.

التحق بمدارس العلم، ودرس الفقه واللغة، ثم بدأ عمله ككاتب بسيط في بلاط الحكم الأموي، قبل أن تفتح له أبواب السياسة على مصراعيها.

من كاتب إلى حاكم فعلي للأندلس

بذكائه وكاريزميته، سرعان ما أصبح كاتبًا للأمير، ثم قاضيًا، ثم قائدًا عسكريًا بارزًا. 

وعندما ضعفت قبضة الخلفاء الأمويين على الحكم، استغل محمد بن أبي عامر الفرصة، وتدرّج حتى صار الحاجب، أي الحاكم الفعلي، بينما ظل الخليفة مجرد رمز.

ومنذ أن تولى المنصور الحكم، بدأت الأندلس تعرف عصرًا ذهبيًا لم تشهد مثله من قبل، في الإدارة والجيش وحتى الاقتصاد. لكن ما جعله أسطورة حقيقية في أعين الجميع، كان شيئًا آخر.

أسطورة لا تهزم.. و50 معركة كلها نصر

خاض المنصور أكثر من خمسين معركة عسكرية خلال حكمه، لم يهزم في واحدة منها! كان قائدًا لا يعرف التراجع، يقود جيوشه بنفسه، ويبدل جواده كلما شعر بالتعب دون أن يستريح. 

أشهر انتصاراته كانت في غزوة «ليون»، عندما اجتمعت عليه ممالك أوروبا، فخرج منها منتصرًا، وقتل قادتهم، وأُسر جنودهم، حتى أقام الأذان في مدينتهم الكبرى.

لقّب بـ«المنصور» لأنه كان يعود من كل غزوة منصورًا منتصرًا، كأن النصر كان يتبعه أينما ذهب، حتى خصومه كانوا يدركون ذلك. 

ويروى أن كنائس أوروبا لم تكن تقرع أجراسها احتفالًا، بل رعبًا حين يعلمون أن المنصور خرج في حملة جديدة!

رجل الدولة والجهاد.. لا القصور

كان المنصور يرفض الترف، ويُقال إنه كان يدعو الله أن يموت مجاهدًا لا في قصر من قصور قرطبة. 

وقد تحققت أمنيته، حيث توفي في إحدى حملاته أثناء مسيرته نحو الحدود الفرنسية، وكان عمره 60 عامًا، قضى منها أكثر من 25 عامًا في القتال والجهاد.

دُفن بكامل ثيابه التي خاض بها حروبه، وكتب على قبره: «آثاره تنطق عنه، والمآثر تذكره».

حتى موته أرعبهم.. وقصة الفونسو على قبره

فرحت ممالك أوروبا بوفاته، وكأن الليل قد انسحب عنهم أخيرًا، وتقول الروايات إن الملك ألفونسو جاء إلى قبره، ونصب خيمة عليه، ونام هو وزوجته فوقه، متفاخرًا بأنه نال من عدوه.

لكن أحد الحاضرين قال له: «لو تنفس صاحب هذا القبر لما ترك فينا أحدًا على قيد الحياة»، فغضب الفونسو، وهمّ بقتله، إلا أن زوجته منعته وقالت كلمتها الشهيرة: «صدق المتحدث.. أيفخر مثلنا بالنوم فوق قبره؟!، إن هذا يزيده شرفا، حتى ميتا لا نستطيع هزيمته، لقد انتصر علينا وهو تحت التراب».

إرث لا ينسى.. وقائد لا يتكرر

رحل الحاجب المنصور، لكن صيته لا يزال يهز التاريخ، رجل بنى مجده بعرقه لا بنسبه، وكتب أمجاد الأندلس على صهوات الخيل لا بأحبار الساسة.

ففي زمن لا تحترم فيه إلا القوة، أثبت المنصور أن القوة تقرن بالشرف والهيبة، وأن الذكاء والشجاعة يمكن أن يصنعا مجد أمة بأكملها.

تم نسخ الرابط