الإثنين 11 أغسطس 2025 الموافق 17 صفر 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

معركة الصالحية.. صفحة من التاريخ كادت تكتب بغير ما أراد الفرنسيون

معركة الصالحية
معركة الصالحية

تمر اليوم، الإثنين 11 أغسطس، ذكرى «معركة الصالحية» التي وقعت عام 1798 بين قوات الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت، وقوات المماليك بقيادة إبراهيم بك وأبي بكر باشا. 

جاءت هذه المعركة بعد أسابيع قليلة من دخول الفرنسيين إلى القاهرة، في إطار حملتهم العسكرية على مصر، وذلك عقب سلسلة من المعارك التي بدأت في الإسكندرية مرورًا بالدلتا.

المعركة، رغم قصر مدتها، حملت دلالات مهمة على طبيعة الصراع بين القوة الأوروبية الحديثة المجهزة بالمدفعية والتنظيم العسكري، وبين الفروسية الشرقية التي تميز بها المماليك، والذين أظهروا بسالة نادرة على الرغم من افتقارهم لوسائل التسليح الحديثة.

بداية التحرك نحو الصالحية

وبحسب ما ورد في كتاب «تاريخ مصر في عصر الاحتلال الفرنسي» للمؤرخ إسماعيل مرسي، فإن «نابليون خرج يوم 7 أغسطس 1798 على رأس قوة من الجيش الفرنسي، متجهًا إلى مدينة بلبيس بهدف ملاحقة الوالي العثماني وإبراهيم بك». 

وعندما اقترب نابليون من بلبيس في 9 أغسطس، بلغه خبر انسحاب قوات المماليك إلى «الصالحية» الواقعة على طريق الشام، ما دفعه للإسراع في ملاحقتهم.

استعداد المماليك للمواجهة

في المقابل، كان إبراهيم بك قد وصل بالفعل إلى الصالحية، وانضم إليه العربان وبعض من قوات الجند، مما رفع من معنويات قواته.

 علم القائد المملوكي باقتراب نابليون وفرسانه، فاستعد للمواجهة، معتمدًا على تفوق فرسان المماليك في القتال المباشر والقدرة على المناورة السريعة.

الاشتباك الأولي بين الطرفين

يذكر المؤرخ إسماعيل مرسي أن «مقدمة الجيش الفرنسي كانت مكونة من نحو 300 فارس، وكان نابليون بينهم». فور وصول قوات المماليك إلى نقطة الاشتباك، اندفع فرسانهم في هجوم خاطف أظهر تفوقهم على الخيالة الفرنسيين، حتى بدا أن الكفة تميل لصالحهم.

المعركة، التي لم تكن كبيرة من حيث عدد القوات المشاركة، سُجلت كواحدة من المواجهات النادرة التي كاد فيها نابليون أن يتعرض لهزيمة ميدانية مباشرة، لولا تدخل باقي القوات الفرنسية.

تدخل المشاة والمدفعية

عندما شعر نابليون بخطورة الموقف، أمر بدفع قوات المشاة «البيادة» والمدفعية «الطوبجية» إلى ساحة القتال. وبفضل النيران الكثيفة والانضباط العسكري، تمكنت هذه القوات من قلب موازين المعركة.

 لم يستطع فرسان المماليك الوقوف أمام ضربات المدفعية الفرنسية، فاضطروا إلى الانسحاب السريع لتجنب الخسائر الكبيرة.

خسائر الفرنسيين

على الرغم من انسحاب المماليك، إلا أن الفرنسيين تكبدوا خسائر فادحة، حيث قتل عدد كبير من جنودهم، من بينهم ضباط كبار مثل الكولونيل «سلكوسكي» والكولونيل «ديترس». 

كما أصيب عدد من القادة الفرنسيين بجروح خطيرة، وهو ما أظهر حجم المقاومة التي واجهتها قوات نابليون في تلك المعركة المحدودة.

بعد المعركة

بعد نجاح الفرنسيين في السيطرة على الصالحية، فر إبراهيم بك وأبو بكر باشا نحو الشرق، في اتجاه غزة، للابتعاد عن مناطق نفوذ الحملة الفرنسية. 

ورغم الانتصار الفرنسي، إلا أن المعركة أثبتت أن المماليك، رغم ضعف تسليحهم، كانوا قادرين على إرباك الجيش الفرنسي وإلحاق الخسائر به.

وبحسب الرواية التاريخية، كتب نابليون خطابًا بعد المعركة، وأرسله مع أحد الأعراب على «هجين سريع» في محاولة للوصول إلى إبراهيم بك قبل وصوله إلى غزة، وذلك في مسعى للتفاوض مع الوالي العثماني وإيجاد صيغة للتفاهم.

 لكن الظروف السياسية والتحالفات الإقليمية في ذلك الوقت لم تسمح بتحقيق أي اتفاق.

دلالات المعركة

تمثل معركة الصالحية جزءًا من الصورة الكاملة للحملة الفرنسية على مصر، التي جمعت بين المواجهات العسكرية المباشرة ومحاولات التفاوض وكسب الحلفاء المحليين. 

ورغم أن الفرنسيين نجحوا في السيطرة على مناطق واسعة من مصر، إلا أن مقاومة المماليك والشعب المصري، مدعومين أحيانًا من العثمانيين، جعلت الحملة مليئة بالتحديات.

إرث تاريخي

اليوم، وبعد مرور أكثر من قرنين على أحداثها، تبقى «معركة الصالحية» شاهدًا على شجاعة المماليك، وعلى أن مواجهة قوة عظمى كفرنسا في ذلك العصر لم تكن بالأمر المستحيل، حتى وإن لم تؤدِ إلى نصر كامل. 

كما تظل ذكرى هذه المعركة جزءًا من الذاكرة التاريخية المصرية، التي تروي تفاصيل الصراع مع القوى الاستعمارية، وتكشف عن دور الفروسية التقليدية في مواجهة الجيوش النظامية الحديثة.

تم نسخ الرابط