دراسة تحذر.. التواصل الاجتماعي يضعف إدراك الأطفال

في عالمنا الحديث أصبح «التواصل الإجتماعي » جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، إذ يعتمد الملايين من الأطفال والمراهقين على تطبيقات التواصل الاجتماعي بشكل مستمر، غير أن دراسة علمية جديدة حذرت من أن هذا «التواصل» حتى وإن كان محدودًا، قد يؤدي إلى ضعف في القدرات الإدراكية للأطفال، الأمر الذي يثير قلق الخبراء والآباء على حد سواء، ويضع تساؤلات حول مدى تأثير «التواصل» الرقمي على نمو الدماغ وسلوك الجيل الصغير.
تأثير وسائل التواصل على نمو الدماغ
تؤكد الدراسة التي أجريت في جامعة مرموقة أن الأطفال الذين يقضون وقتًا طويلاً على تطبيقات التواصل يعانون من انخفاض في قدراتهم على التركيز والتحليل، حيث أظهرت النتائج أن الدماغ في مراحل الطفولة يكون في طور التطور السريع، وأي نوع من «التواصل» الرقمي الزائد يغير من أنماط النشاط العصبي فيه، مما يؤدي إلى ضعف الانتباه وتشتت الذهن، كما أن الأطفال الذين يتعرضون يوميًا لمحتوى متغير بسرعة من خلال وسائل التواصل يصبحون أقل قدرة على التعامل مع المهام التي تتطلب صبرًا وتركيزًا طويل المدى.
التواصل وتأثيره النفسي والسلوكي
لم يتوقف أثر «التواصل» عند حدود القدرات العقلية فقط، بل امتد ليشمل الجوانب النفسية والسلوكية، إذ بينت الدراسة أن الأطفال الذين ينشغلون بوسائل التواصل منذ الصغر يصبحون أكثر عرضة للقلق الاجتماعي والاكتئاب، وذلك بسبب المقارنة المستمرة بالآخرين، والشعور بالنقص أمام الصور والمقاطع التي تعكس حياة مثالية غير واقعية، كما أن «التواصل» المستمر عبر الشاشات يقلل من التفاعل الوجهي بين الطفل وأقرانه وأفراد أسرته، مما يؤثر في مهاراته الاجتماعية وقدرته على التعبير عن نفسه في المواقف الواقعية.
التواصل المحدود لا يعني الأمان
على الرغم من أن بعض الآباء يعتقدون أن تقليص وقت التواصل قد يخفف من الآثار السلبية، إلا أن الدراسة الجديدة أكدت أن «الاستخدام المحدود» لوسائل التواصل لا يمنع بالضرورة ضعف القدرات الإدراكية، إذ تبيّن أن مجرد التعرّض المتكرر للمحفزات البصرية السريعة والمعلومات المتدفقة يربك الدماغ النامي للطفل، فيفقد قدرته على التمييز بين المعلومات المهمة وغير المهمة، وهذا ما يجعل الطفل أقل استعدادًا للتعلم في المدرسة، وأقل قدرة على التركيز في الأنشطة التي تتطلب مجهودًا ذهنيًا.
التواصل وتغير أنماط النوم
ومن الجوانب التي تناولتها الدراسة تأثير «التواصل» على النوم، حيث لاحظ الباحثون أن الأطفال الذين يستخدمون الهواتف أو الأجهزة اللوحية قبل النوم يعانون من اضطرابات في نومهم، مما يؤدي إلى ضعف الأداء في المدرسة، والتعب المستمر خلال النهار، وأرجعت الدراسة السبب إلى الضوء الأزرق الصادر من الشاشات الذي يؤثر على إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم، بالإضافة إلى أن إشعارات التواصل ورسائل الأصدقاء تجعل الطفل في حالة يقظة دائمة، فيفقد الإحساس بالراحة والاسترخاء.
التواصل وانخفاض التحصيل الدراسي
كما أوضحت نتائج الدراسة أن الأطفال الذين يستخدمون وسائل التواصل بشكل متكرر يحققون نتائج دراسية أقل من نظرائهم الذين يقل استخدامهم لتلك الوسائل، إذ إن كثرة الانشغال بالمحتوى المرئي والمحادثات السريعة تجعل الطفل يعتمد على المعالجة السطحية للمعلومات، دون تعمق أو تحليل، في حين أن التعلم الفعّال يحتاج إلى «تركيز متواصل» وتفكير نقدي، وهما مهارتان تتراجعان مع الإفراط في التواصل الرقمي.
كيف يمكن الحد من تأثير التواصل السلبي
يوصي الباحثون بضرورة وضع حدود واضحة لاستخدام الأطفال لوسائل التواصل، مع تشجيعهم على الأنشطة الواقعية مثل اللعب في الهواء الطلق، والقراءة، وممارسة الهوايات الإبداعية، كما ينصحون الآباء بأن يكونوا قدوة في استخدامهم للتكنولوجيا، لأن الأطفال يقلدون سلوك الكبار في هذا الجانب، بالإضافة إلى أهمية توجيه «التواصل» الرقمي نحو المحتوى التعليمي والهادف بدلاً من الترفيهي فقط، حتى لا يتحول إلى وسيلة تُضعف العقل بدلاً من تنميته.
التواصل في المستقبل بين التوعية والرقابة
تتجه بعض الدول إلى إطلاق برامج توعية واسعة حول مخاطر التواصل الاجتماعي على الأطفال، وتشمل هذه البرامج المدارس والأسر والمؤسسات الإعلامية، من أجل تعزيز الفهم الصحيح لكيفية التعامل مع التكنولوجيا، وقد أشار الخبراء إلى أن «التواصل» إذا لم يُدار بحكمة، فقد يؤدي إلى فقدان جيل كامل من المهارات الحياتية الأساسية، لذلك فإن الوعي الرقمي أصبح ضرورة لا رفاهية.
التواصل بين الواقع والافتراض
في نهاية المطاف تؤكد الدراسة أن «التواصل» الإنساني الحقيقي لا يمكن أن يُستبدل بالتواصل الافتراضي، فبينما تمنحنا التطبيقات سهولة في الاتصال، إلا أنها تحرم الأطفال من التجربة الواقعية التي تنمّي قدراتهم الإدراكية والعاطفية، فالتفاعل المباشر مع الأسرة والأصدقاء هو ما يصنع التوازن النفسي والمعرفي، أما الاعتماد الزائد على الشاشات فيضعف هذه الروابط ويقلل من جودة النمو الذهني، ومن هنا تأتي الحاجة إلى إعادة التفكير في مقدار «التواصل» الذي نسمح به لأطفالنا.
يخلص الباحثون إلى أن العالم الرقمي رغم فوائده لا يخلو من المخاطر، وأن «التواصل» الاجتماعي يحتاج إلى وعي وضبط لا إلى منع تام، فالفكرة ليست في إلغاء التكنولوجيا، بل في إدارة استخدامها بما يتناسب مع عمر الطفل واحتياجاته العقلية، مؤكدين أن مستقبل الأجيال يعتمد على قدرتنا في إيجاد توازن بين الواقع والافتراض، وبين التعلم الرقمي والإنساني.