لماذا انفرد «الحج» بمكانة خاصة في الإسلام؟.. الإفتاء تجيب

الحج فريضة عظيمة تميزت عن غيرها من العبادات بمجموعة من الخصائص التي جعلتها تتبوأ مكانة رفيعة في الإسلام، وقد أوضحت «دار الإفتاء المصرية» عبر صفحتها الرسمية على منصة «فيس بوك» هذه الخصائص الفريدة التي انفرد بها «الحج» دون سواه، حيث أكدت أن «الحج» ليس مجرد عبادة من العبادات المعروفة بل هو تجربة روحية وبدنية ومالية شاملة يتقرب بها المسلم إلى الله من خلال شعائر محددة في أماكن محددة وبزمان معلوم، مما يمنح هذه الفريضة طابعًا استثنائيًا يندر أن يتكرر في غيرها من العبادات الإسلامية.
الخصائص التي ينفرد بها الحج
أشارت «دار الإفتاء» إلى أن «الحج» يتميز بأنه عبادة تجمع بين عناصر متعددة من الطاعات، فهو عبادة «بدنية» و«مالية» في آنٍ واحد، حيث يحتاج من المسلم أن يبذل المجهود البدني في التنقل وأداء المناسك كما يتطلب منه أيضًا إنفاق المال في سبيل الوصول إلى الأماكن المقدسة وأداء الشعائر، وهذه الميزة الفريدة تجعله مختلفًا عن الصلاة أو الصيام أو الزكاة، إذ أن كلاً من تلك العبادات يقوم على نوع معين من التكاليف، بينما يتكامل «الحج» في شمول أبعاده التعبدية.
ومن بين أوجه التميز الأخرى، أن «الحج» له مواقيت مكانية وزمانية محددة لا يمكن تجاوزها، فالشعائر لا تُقام في أي مكان ولا في أي وقت، بل تتعلق بأماكن مقدسة مثل «عرفات» و«منى» و«المزدلفة»، وتكون في شهر ذي الحجة، مما يمنحه سمة الالتزام الزماني والمكاني التي لا توجد في غيره من العبادات، كما بيّنت «الإفتاء» أن «الحج» لا يبطل بمجرد ترك بعض واجباته، وإنما يمكن جبر التقصير بالفدية أو ما يُشرع شرعًا للتعويض، وفي حال فسد «الحج» لأي سبب كان، فإنه يجب إتمامه ثم أداء حج آخر قضاء عنه.
ومن الخصائص البارزة لفريضة «الحج» وجود شعار نبوي خاص يميز هذه الشعيرة، وهو ما قاله النبي ﷺ: «افعل ولا حرج»، وهو حديث متفق عليه، يعكس روح التيسير والسماحة التي يتسم بها أداء مناسك «الحج»، ويؤكد على بُعد العنت والمشقة عن المقاصد الشرعية لهذه الفريضة العظيمة.
حكم أداء فريضة الحج
وبحسب ما أوضحته «دار الإفتاء»، فإن «الحج» فرض عين على كل مسلم ومسلمة بلغ الحُلم وكان عاقلًا مستطيعًا بدنيًا وماليًا، ويُستحب أن يبادر المسلم بأداء «الحج» فور توافر شروط الاستطاعة، دون تأجيل أو تسويف، حيث أن تأخير هذه الفريضة دون عذر يُخشى أن يكون سببًا في تفويت أجلها، وبالتالي خسارة الأجر والمكانة التي أعدها الله لأهلها.
وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم، ورد أن رسول الله ﷺ قال: «أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا»، فرد عليه رجلٌ قائلا: «كل عام يا رسول الله؟»، فسكت النبي ثلاثًا، ثم قال: «لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم»، مما يدل على أن الشرع الحنيف لا يرغب في إرهاق المكلفين أو إدخالهم في مشقة دائمة، بل يرسي مبدأ التيسير والرحمة في أداء «الحج»، ويحث المسلمين على الانقياد الواعي دون تحميل النفس ما لا تطيق.
التوبة والإخلاص عند أداء مناسك الحج
أوصت «دار الإفتاء» عموم المسلمين بضرورة الإخلاص لله في نية «الحج»، وألا يكون الهدف منه التفاخر أو السمعة أو الرياء، بل يجب أن يقصد الحاج وجه الله وحده، ويجعل هذا السفر المهيب بداية جديدة لعهد من الطاعة والعبادة والعودة إلى الله، مع التوبة الصادقة والاستغفار، وذلك لأن «الحج» فرصة نادرة للمصالحة مع الله وتطهير النفس من الذنوب والمعاصي.
وأكدت أنه ينبغي على من نوى أداء المناسك أن يبتعد عن كل ما يشوب عبادته من مظاهر التفاخر أو التصوير أو الرياء، لأن الغاية من «الحج» هي العودة إلى الله وليس إلى مدح الناس، كما ينبغي أن يكون الحاج متأهبًا للالتزام بأخلاق الإسلام والابتعاد عن الجدال والخصام، وأن يستحضر في كل لحظة من لحظات «الحج» أنه ضيف عند الله تعالى.
الفضل العظيم للحج في القرآن والسنة
ورد في كتاب الله قوله: ﴿وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات﴾، وهذه الآيات تؤكد أن منافع «الحج» لا تقتصر على العبادة فقط بل تشمل التجارة والتعارف والتآلف بين المسلمين، مما يعكس الأبعاد الحضارية والاجتماعية لفريضة «الحج».
أما في السنة النبوية، فقد كثرت النصوص التي تبين عِظم فضل «الحج» ومكانته، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، وهي بشارة عظيمة تُظهر أن من أدى «الحج» على الوجه المطلوب يعود وقد غُفرت له كل ذنوبه، كأنما وُلد من جديد.
كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة»، مما يدل على أن «الحج» ليس فقط موسم طاعة، بل هو وقت تُفتح فيه أبواب المغفرة وتُكتب فيه النجاة من النار.
وروي كذلك عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم»، كما سُئل ﷺ عن أفضل الأعمال فقال: «إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور»، والحج المبرور هو الذي لا يُخالطه إثم ويُؤدى بإخلاص وتواضع.
الحج رحلة روحانية تتجلى فيها معاني الإسلام
لا يمكن اختزال «الحج» في كونه مجرد مجموعة من الطقوس، بل هو تجربة روحية كاملة يتجرد فيها الإنسان من كل مظاهر الدنيا، فيرتدي إحرامًا بسيطًا، ويقف في صعيد واحد مع ملايين المسلمين لا فرق بينهم، وتتحقق في هذه الشعيرة معاني التوحيد والوحدة والتواضع والتجرد والعبودية، ولهذا يستحق «الحج» أن يُوصف بأنه «عرس الإيمان» و«موسم الغفران» و«رحلة العمر».