اضطرابات الغدة الدرقية.. أعراض خفية قد تغير حياتك

تُعد «الغدة الدرقية» من الغدد الصماء الحيوية في جسم الإنسان، إذ تلعب دورًا محوريًا في تنظيم العديد من وظائف الجسم من خلال إنتاج الهرمونات التي تؤثر على معدل الأيض والطاقة والنمو، إلا أن الاضطرابات التي تصيب «الغدة الدرقية» كثيرًا ما تكون خفية في بدايتها، وقد تمر دون ملاحظة من المريض أو من حوله، ما يجعل الكشف المبكر عنها أمرًا بالغ الأهمية.
ما هي الغدة الدرقية؟
«الغدة الدرقية» هي غدة صغيرة على شكل فراشة، تقع في مقدمة الرقبة أمام القصبة الهوائية مباشرة، وتُفرز هرموني «الثيروكسين» (T4) و«الثيريودوثيرونين» (T3) اللذَين يلعبان دورًا أساسيًا في تنظيم عمليات الأيض في الجسم، وعندما يحدث خلل في عمل «الغدة الدرقية»، سواء بزيادة النشاط أو القصور، تبدأ أعراض متنوعة بالظهور تختلف في حدتها من شخص إلى آخر.
فرط نشاط الغدة الدرقية.. طاقة مفرطة تؤدي للإرهاق
يحدث «فرط نشاط الغدة الدرقية» عندما تفرز الغدة كميات زائدة من الهرمونات، مما يؤدي إلى تسريع عمليات الأيض في الجسم، وقد يشعر المريض حينها بزيادة في النشاط الجسدي أو الذهني، لكنه سرعان ما يتحول إلى شعور مزمن بالإرهاق والقلق، ومن أبرز الأعراض التي قد تشير إلى فرط النشاط:
فقدان الوزن المفاجئ رغم تناول الطعام بشكل طبيعي
تسارع في ضربات القلب والشعور بالخفقان
التهيج والعصبية الزائدة دون مبرر واضح
الأرق واضطرابات النوم المستمرة
ضعف العضلات وخاصة في الذراعين والفخذين
زيادة التعرق و«عدم تحمل الحرارة» حتى في الأجواء المعتدلة
اضطرابات في الدورة الشهرية عند النساء
هذه الأعراض قد تظهر بشكل تدريجي ما يجعل المريض يعتاد عليها، فيغيب إدراكه لوجود مشكلة في «الغدة الدرقية»، مما يؤخر تشخيص الحالة وعلاجها.
قصور الغدة الدرقية.. بطء خفي ينهك الجسم
أما «قصور الغدة الدرقية»، فيحدث عندما تقل كمية الهرمونات التي تنتجها الغدة، وهو ما يؤدي إلى تباطؤ في وظائف الجسم الحيوية، ويمكن أن تكون الأعراض خفية وغير ملحوظة في البداية، لكنها تزداد مع الوقت لتؤثر على جودة الحياة بشكل واضح، ومن أبرز هذه الأعراض:
زيادة الوزن بشكل غير مبرر رغم قلة الطعام
الشعور الدائم بالتعب والخمول
جفاف الجلد وتساقط الشعر
برودة الأطراف وعدم تحمل درجات الحرارة المنخفضة
بطء في التفكير والكلام وردود الفعل الذهنية
الإمساك المزمن وصعوبة الهضم
الكآبة أو اضطرابات المزاج
اضطرابات في الدورة الشهرية والعقم في بعض الحالات
إن تجاهل هذه الأعراض قد يؤدي إلى تفاقم القصور، ما يزيد من احتمالات حدوث مضاعفات خطيرة مثل «تضخم الغدة الدرقية» أو حتى فشل في بعض وظائف الجسم، لذلك فإن المتابعة المنتظمة مع طبيب مختص وإجراء الفحوصات المخبرية يمكن أن يُحدث فارقًا كبيرًا في التشخيص والعلاج.
أسباب اضطرابات الغدة الدرقية
تتنوع أسباب اضطرابات «الغدة الدرقية» بين العوامل الوراثية والمناعية والبيئية، حيث تُعد أمراض المناعة الذاتية مثل «داء غريفز» أو «هاشيموتو» من الأسباب الشائعة، كما يمكن أن تُصاب «الغدة» بالتهابات أو أورام أو تأثيرات جانبية ناتجة عن أدوية أو علاجات إشعاعية، هذا إلى جانب نقص أو زيادة عنصر اليود في الجسم، والذي يعد عنصرًا ضروريًا لإنتاج هرمونات الغدة.
التشخيص.. خطوة حاسمة تبدأ من الفحوصات البسيطة
تشخيص اضطرابات «الغدة الدرقية» لا يتطلب إجراءات معقدة، بل يبدأ غالبًا بفحص دم بسيط يُعرف باختبار «TSH» وهو الهرمون الذي ينظم عمل الغدة، وفي حال ظهور نتائج غير طبيعية يتم التوسع بإجراء اختبارات لهرموني T3 وT4، بالإضافة إلى فحوصات الأجسام المضادة وتصوير «الغدة» بالموجات فوق الصوتية إذا لزم الأمر.
من المهم أن يخضع كل من يعاني من أعراض غير مفسرة في الوزن أو المزاج أو الطاقة لفحص وظائف «الغدة الدرقية»، حتى وإن كانت الأعراض طفيفة أو غير مزعجة في بدايتها، لأن الاكتشاف المبكر يسهم في السيطرة على الحالة ويمنع تطورها.
العلاج.. توازن دقيق يحتاج متابعة
يعتمد علاج «فرط نشاط الغدة الدرقية» على عدة خيارات منها الأدوية المثبطة لنشاط الغدة، أو استخدام اليود المشع، أو في بعض الحالات الجراحة، بينما يتم علاج «قصور الغدة الدرقية» غالبًا من خلال تعويض الهرمون الناقص باستخدام «ليفوثيروكسين» وهو دواء يؤخذ يوميًا ويعمل على إعادة التوازن الهرموني تدريجيًا.
غير أن العلاج لا يقتصر على تناول الدواء فقط، بل يشمل متابعة مستمرة لمستويات الهرمونات وتقييم الأعراض بشكل دوري، لأن الجرعة قد تحتاج إلى تعديل تبعًا لحالة الجسم والمرحلة العمرية للمريض أو حتى الظروف النفسية والبيئية المحيطة.
نمط الحياة وتأثيره على صحة الغدة
يلعب نمط الحياة دورًا أساسيًا في دعم صحة «الغدة الدرقية»، حيث يُنصح بالحفاظ على نظام غذائي متوازن يحتوي على كميات كافية من اليود والسيلينيوم، وممارسة النشاط البدني بانتظام، إلى جانب تقليل التوتر والابتعاد عن الضغوط النفسية، لأن هذه العوامل جميعها تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على وظيفة الغدة.
كما يُفضل تجنّب التعرض المفرط للمواد الكيميائية أو الملوثات البيئية التي قد تخل بتوازن الغدد الصماء في الجسم، ومن المهم مراجعة الطبيب عند الشعور بأي تغير مفاجئ في الصحة العامة أو المزاج، حتى لو بدا غير مرتبط بشكل مباشر بوظيفة «الغدة الدرقية».
تبقى «الغدة الدرقية» أحد المفاتيح الأساسية لصحة الجسم وتوازنه، وأي اضطراب يصيبها يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من المشكلات الصحية التي تبدأ بأعراض بسيطة لكنها قد تتحول إلى معاناة طويلة إذا لم تُعالج بالشكل المناسب، لذا فإن الوعي بالأعراض، والحرص على الفحوصات الدورية، والالتزام بالعلاج تحت إشراف طبي، يمثلون الركائز الأساسية لحياة صحية مستقرة.