تحذيرات طبية من تناول «الباراسيتامول» بكثرة وتأثيره المدمر على« الكبد»

الباراسيتامول هو أحد أكثر الأدوية شيوعًا حول العالم ويستخدمه ملايين الأشخاص لتخفيف «الآلام» وخفض «الحرارة» الناتجة عن نزلات البرد أو الالتهابات المختلفة ويُعتبر متاحًا دون وصفة طبية في معظم الصيدليات نظرًا لاعتباره آمنا عند تناوله بالجرعات المناسبة ومع ذلك بدأت «التحذيرات الطبية» تتوالى في السنوات الأخيرة حول مخاطر الإفراط في تناول الباراسيتامول خاصة على «الكبد» الذي يُعد العضو الأساسي المسؤول عن تكسير هذا الدواء في الجسم.
ورغم أن الباراسيتامول يتمتع بسمعة طيبة في مجال التسكين إلا أن الإفراط في استخدامه قد يؤدي إلى نتائج كارثية تهدد حياة الإنسان إذ كشفت دراسات طبية أن تناول جرعات زائدة من الباراسيتامول قد يتسبب في «تلف الكبد» بشكل خطير كما أن الاستخدام المتكرر له دون استشارة طبية يمثل خطرًا صامتًا لا يشعر به كثيرون إلا بعد فوات الأوان.
كيف يؤثر الباراسيتامول على الكبد؟
عندما يدخل الباراسيتامول إلى الجسم يتم امتصاصه في الأمعاء ثم ينتقل إلى الكبد وهناك يتم تحويله إلى مواد قابلة للذوبان ليتم التخلص منها عبر البول لكن في حال تجاوز الجرعة الموصى بها والتي غالبًا لا تزيد عن أربعة جرامات يوميًا يقوم الكبد بإنتاج مادة سامة تعرف باسم NAPQI وهي مادة كيميائية تؤدي إلى «تلف خلايا الكبد» وتمنع عمل الإنزيمات المسؤولة عن تطهير الجسم من السموم.
وفي الحالات الشديدة قد يؤدي تناول كميات كبيرة من الباراسيتامول إلى «فشل كبدي حاد» وهو ما يتطلب التدخل الطبي الفوري بل وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى الحاجة إلى «زراعة كبد» لإنقاذ حياة المريض وهذا ما يدفع الأطباء إلى التشديد على أهمية عدم تجاوز الجرعات المحددة وعدم الجمع بين الباراسيتامول وأدوية أخرى تحتوي على المادة نفسها دون علم المريض.
الفئات الأكثر عرضة لخطر الباراسيتامول
تؤكد الدراسات الحديثة أن هناك بعض الفئات التي تكون أكثر عرضة للتأثر السلبي بـ الباراسيتامول حتى عند تناوله بالجرعات الطبيعية من بينهم كبار السن الذين يعانون من «أمراض الكبد المزمنة» أو مشاكل صحية تؤثر على عمل الكبد وكذلك مرضى «التهاب الكبد الوبائي» ومدمني الكحول لأن الكبد في هذه الحالات يكون أكثر هشاشة وأقل قدرة على التخلص من السموم الناتجة عن الدواء.
ويحذر الأطباء من استخدام الباراسيتامول بشكل متكرر لدى هؤلاء المرضى دون إشراف طبي دقيق كما يُنصح بضرورة إجراء فحوصات دورية لوظائف الكبد في حال كانت هناك حاجة لاستخدام الدواء على المدى الطويل.
الباراسيتامول في الأدوية المركبة
الكثير من الناس لا يعلمون أن الباراسيتامول يدخل في تركيب عدد كبير من الأدوية المختلفة مثل علاجات البرد والإنفلونزا والسعال والصداع النصفي ويؤدي ذلك في كثير من الأحيان إلى تناول جرعات زائدة عن غير قصد حيث يستخدم المريض أكثر من دواء يحتوي على الباراسيتامول ظنًا منه أن كل دواء يعمل بطريقة مختلفة بينما الحقيقة أن الجسم يتعامل مع المادة الفعالة نفسها مما يؤدي إلى تراكمها في الكبد وزيادة خطر الإصابة بالتسمم الكبدي.

ولذلك يُنصح دائمًا بقراءة مكونات الأدوية بعناية واستشارة الطبيب أو الصيدلي قبل تناول أكثر من نوع دوائي في الوقت ذاته للتأكد من عدم وجود الباراسيتامول في أكثر من دواء.
علامات تسمم الكبد الناتج عن الباراسيتامول
قد لا تظهر أعراض التسمم الكبدي الناتج عن الباراسيتامول بشكل فوري ولكن تبدأ بعد عدة ساعات أو أيام من تناول الجرعة الزائدة وتشمل هذه الأعراض الشعور «بالغثيان» و«القيء» و«آلام في البطن» و«اصفرار الجلد» و«اصفرار بياض العين» و«تغير لون البول» إلى اللون الداكن بالإضافة إلى الشعور العام بالإرهاق الشديد وفي الحالات المتقدمة قد تظهر علامات «تدهور وظائف المخ» مثل التشوش أو فقدان الوعي.
وفي حال ظهور هذه الأعراض يجب التوجه فورًا إلى أقرب مركز طبي حيث يعتمد علاج التسمم الناتج عن الباراسيتامول على إعطاء دواء مضاد يسمى N-acetylcysteine الذي يساعد الكبد على التخلص من المادة السامة إذا تم استخدامه في الوقت المناسب.
التوصيات الطبية للاستخدام الآمن للباراسيتامول
يشدد الأطباء على ضرورة الالتزام بالجرعات اليومية الموصى بها لـ الباراسيتامول وهي غالبًا لا تتجاوز 1000 ملليغرام في الجرعة الواحدة وبحد أقصى 4000 ملليغرام في اليوم الواحد مع التأكيد على وجود فاصل زمني لا يقل عن أربع إلى ست ساعات بين الجرعات المختلفة كما يُنصح بعدم استخدام الباراسيتامول لفترات طويلة دون استشارة طبية.
ويُنصح كذلك بعدم استخدام الباراسيتامول كحل سريع ودائم لكل ألم بل يجب معرفة سبب الألم الحقيقي وعلاجه من جذوره بدلاً من الاعتماد على المسكنات بشكل دائم خاصة إذا كان الألم مستمرًا لفترات طويلة أو متكررًا دون سبب واضح.
الوقاية خير من العلاج
تبقى الوقاية هي الطريق الأفضل لتجنب أضرار الباراسيتامول ولذلك لا بد من نشر التوعية حول خطورة الإفراط في استخدامه وتوضيح مخاطره في الحملات الصحية ووسائل الإعلام كما ينبغي تشجيع الناس على قراءة النشرات الطبية المرفقة مع الأدوية والانتباه جيدًا للمكونات الفعالة في كل علاج وعدم الجمع بين الأدوية إلا بعد استشارة الطبيب.
الباراسيتامول قد يكون دواء فعالًا ومفيدًا عند استخدامه بشكل صحيح ولكن تحوله إلى «سم قاتل» ممكن جدًا إذا تم تجاهل التحذيرات الطبية أو استخدامه بعشوائية ولهذا فإن التوعية الطبية الصادقة والدقيقة تظل ضرورة ملحة في عصر أصبحت فيه الأدوية متاحة بسهولة ولكن آثارها قد تكون باهظة.