هل يجوز تحديد نوع الجنين شرعًا؟.. رد حاسم من عالم بالأزهر

الجنين هو أول ما يتعلق به أمل الأسرة في استقبال مولود ذكر أو أنثى، ومع التقدم العلمي ظهرت تقنيات عديدة تُتيح للزوجين التدخل في تحديد نوع الجنين، وهو ما أثار تساؤلات فقهية عديدة حول مشروعية هذا الأمر من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وفي هذا الإطار جاءت إجابة الدكتور عطية لاشين، أستاذ الشريعة وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، لتوضح الحكم الشرعي وتُبيّن الآراء المختلفة التي قال بها أهل العلم.
أدلة قرآنية تؤكد أن خلق الجنين بيد الله وحده
استشهد الدكتور عطية لاشين بقول الله تعالى: «وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تُمنى»، مؤكدًا أن عملية «خلق الجنين» ذكرا كان أو أنثى ليست في يد البشر وإنما في يد الله وحده، كما ورد في كتب السنة عن النبي ﷺ قوله: «ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله»، وهذه النصوص تؤكد أن تكوين نوع الجنين يتم بإرادة الله وليس بإرادة البشر:
وأضاف لاشين أن مسألة الخلق لا تخضع لقدرات الإنسان مهما بلغ من التقدم العلمي أو التكنولوجي، مشيرًا إلى قول الله تعالى: «يا أيها الناس ضُرب مثل فاستمعوا له، إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له»، وأيضًا الآية الكريمة: «أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون»، مما يدل على أن التدخل البشري في تحديد نوع الجنين يُعد تعديًا على اختصاص الخالق سبحانه.
آراء العلماء المعاصرين في حكم تحديد جنس الجنين
أوضح الدكتور لاشين أن «اختيار جنس الجنين» أثار جدلًا بين العلماء المعاصرين الذين انقسموا إلى ثلاثة آراء رئيسية، وهي:
الرأي الأول: يرى بعض العلماء أن الأمر جائز شرعًا في حدود معينة
الرأي الثاني: يرى فريق آخر عدم الجواز مطلقًا، استنادًا إلى نصوص قرآنية ومبادئ فقهية
الرأي الثالث: يتبنى التوقف، بمعنى أنهم لا يفتون بالجواز ولا بالتحريم، ويفضلون ترك المسألة بلا قطع
وفي هذا السياق أعلن الدكتور عطية لاشين تبنيه للرأي القائل بالمنع، مبينًا أن هذا الموقف يستند إلى جملة من الأدلة الشرعية والمنطقية التي تُوضح خطورة هذا التدخل في خلق الله عز وجل.
سد الذرائع.. أحد أهم أسباب المنع
أول الأسباب التي أوردها الدكتور لاشين هو مبدأ «سد الذرائع»، موضحًا أن أهواء الناس تختلف، فالبعض قد يُفضل الذكور والبعض الآخر يُفضل الإناث، فإذا أُتيح المجال للتدخل في تحديد نوع الجنين فإن ذلك يفتح بابًا يصعب إغلاقه لاحقًا، ما يؤدي إلى اختلال التوازن المجتمعي.
وأشار إلى أن تحكّم البشر في جنس الجنين قد يؤدي في بعض المجتمعات إلى «ظواهر خطيرة» مثل اختلال نسبة الذكور إلى الإناث، الأمر الذي قد ينتج عنه مشاكل اجتماعية خطيرة على المدى الطويل.
التغيير في خلق الله.. خط أحمر شرعي
ثاني الأدلة التي استند إليها رأي المنع هو أن التحكم في نوع الجنين يُعد من قبيل «تغيير خلق الله»، وهو أمر ورد النهي عنه في القرآن الكريم، كما أن هذا التدخل يُعتبر صرفًا لمسار الخلق عن وجهته الطبيعية، إذ أن الله خلق لكل شيء نظامًا دقيقًا، ومحاولة تغييره تُعد مساسًا بذلك النظام الرباني الدقيق.
وأكد الدكتور لاشين أن مفهوم التغيير في الخلق لا يقتصر على خلق كائن جديد من العدم، بل يشمل أيضًا أي تدخل بشري يؤثر على المسار الإلهي الذي حدده الله في تكوين الجنين.
مشيئة الله في الهبة.. لا تُرد ولا تُعدل
من ضمن الأدلة القرآنية التي استند إليها الدكتور عطية لاشين ما ورد في قوله تعالى: «يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا»، مشيرًا إلى أن إرادة الله هي التي تقرر مصير الجنين، فمن غير المقبول شرعًا أن يحاول الإنسان تغيير هذه «الهبة» التي يختارها الله لكل عبد من عباده.
وأشار إلى أن هذه الإرادة تنقسم إلى من يُرزق بالذكور فقط، أو بالإناث فقط، أو بهما معًا، أو يُحرم منهما معًا لحكمة يعلمها الله، مؤكدًا أن التدخل في هذه الإرادة ينافي مبدأ التسليم بقضاء الله.
خطر العبث بالمني واختلاط الأنساب
من الأسباب الخطيرة التي أوردها أستاذ الشريعة هو ما سماه «اللعب بالمني»، أي التدخل العلمي في فصل الحيوانات المنوية بغرض اختيار نوع الجنين، مشيرًا إلى أن هذا الأمر قد يؤدي إلى اختلاط الأنساب، خاصة في حالة حدوث أخطاء في المعامل أو التلقيح الصناعي.
وأوضح أن الشرع الإسلامي أولى اهتمامًا بالغًا بحفظ الأنساب، واعتبره من مقاصد الشريعة الكبرى، ولذلك فإن أي إجراء قد يهدد هذا المقصد يُعد من المحرمات.
علم الأرحام.. من الغيب الذي اختص الله به
اختتم الدكتور عطية لاشين حديثه بالاستشهاد بقوله تعالى: «إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام»، مؤكدًا أن محاولة معرفة نوع الجنين أو التحكم فيه تتعارض مع اختصاص الله بعلم الغيب، وهو ما يُعد تعديًا على ما استأثر الله به من علم.
وشدد على أن قضية الجنين، وإن بدت بسيطة لدى البعض، إلا أن آثارها الاجتماعية والدينية والعقائدية كبيرة، ما يتطلب قدرًا عاليًا من الحذر قبل الإقدام على هذا النوع من العمليات الطبية.