هل تجب الزكاة على «ذهب الزينة»؟ الإفتاء توضح الحكم

أصبحت الزكاة من الموضوعات التي يكثر السؤال عنها في المجتمع المسلم، خاصة في ما يتعلق بزكاة الذهب المستخدم للزينة، حيث تكثر التساؤلات بين النساء حول ما إذا كان عليهن إخراج الزكاة عن الذهب الذي يقتنينه للزينة الشخصية أم لا، وفي هذا السياق أجاب الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد من إحدى السيدات قالت فيه: «عندي 150 جرام ذهب زينة، فهل عليّ زكاة؟»، موضحًا أن هذه المسألة محل خلاف فقهي بين العلماء وأن اختلافهم رحمة بالأمة وليس تشتيتًا لأحكامها.
الخلاف الفقهي حول زكاة الذهب
أوضح أمين الفتوى أن قضية الزكاة في ذهب الزينة ليست من المسائل المستحدثة بل هي مسألة قديمة دار حولها النقاش بين الأئمة والعلماء عبر القرون، فبعض الفقهاء ذهبوا إلى القول بوجوب الزكاة في الذهب إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول حتى وإن كان معداً للزينة، بينما رأى آخرون أنه لا زكاة في الذهب الذي يُستعمل للزينة الشخصية طالما لم يُتخذ للتجارة أو الادخار، وأشار الشيخ إلى أن هذا الاختلاف نابع من اجتهادات العلماء في فهم النصوص الشرعية المتعلقة بزكاة الأموال والمعادن الثمينة.
وأضاف أن من رحمة الله تعالى بالأمة أن جعل في بعض المسائل سعة واختلافاً، فلو شاء لجعل الحكم واحداً في كل أمر، ولكن الاختلاف الفقهي دليل على عمق الشريعة ومرونتها، وبيّن أن دار الإفتاء المصرية ترجح القول بعدم وجوب الزكاة على الذهب المعد للاستعمال الشخصي، ما لم يكن الهدف منه الادخار أو التجارة.
متى تجب الزكاة على الذهب؟
أوضح أمين الفتوى أن الضابط في وجوب الزكاة هو نية المرأة وعرف المجتمع، فإذا كان الذهب يُلبس فعلاً للزينة المعتادة ويُعتبر من مقتنيات المرأة الشخصية فلا زكاة فيه، أما إذا تحوّل إلى مال زائد يُحتفظ به بغرض الاستثمار أو التجارة فحينها تجب فيه الزكاة، لأن النية هنا انتقلت من الزينة إلى الادخار، وهو ما يندرج ضمن الأموال النامية التي أمر الشرع بإخراج زكاتها.
وأكد أن «الأمر كله يُقدَّر بالعرف والنية»، فما دام الذهب للزينة في حدود المعتاد فلا زكاة فيه، أما إذا كان في كمياته أو قيمته ما يُعتبر مظهراً من مظاهر الادخار فعلى صاحبته إخراج الزكاة عنه بنسبة 2.5% من قيمته بعد مرور عام هجري كامل.
الرأي المعتمد في دار الإفتاء المصرية
بيّنت دار الإفتاء من خلال فتواها الرسمية أن المعتمد في مصر هو عدم وجوب الزكاة على الذهب الذي يُستخدم فعلاً للزينة، إذ إن استعماله يجعل المال غير نامٍ، أي لا يتكاثر ولا يُستثمر، ومن ثم لا يدخل في الأموال التي تجب فيها الزكاة، إلا أن دار الإفتاء توصي دائماً بالاحتياط في الدين، فمن أراد أن يُزكي عن ذهبه رغم كونه للزينة فذلك من باب التقرب إلى الله ومضاعفة الأجر، وهو عمل محمود يثاب عليه صاحبه.
كما شددت على أن هذه المسائل ينبغي أن تُفهم في إطار الشريعة القائمة على الرحمة والتيسير، لا على التشدد أو الغلو، لأن الهدف من الزكاة هو تطهير المال والنفس معاً، وإشاعة التكافل الاجتماعي بين الناس.
الزكاة عبادة مالية وروحية
وفي سياق متصل، أوضحت الدكتورة زينب السعيد، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، أن الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل هي عبادة قلبية وروحية تعكس مدى علاقة الإنسان بربه، فهي دليل على صدق الإيمان ورغبة العبد في نيل رضا الله تعالى، وأضافت أن الناس في تعاملهم مع الزكاة ينقسمون إلى ثلاث فئات رئيسية، وهم «المحبون» و«التجار» و«العبيد».
أصناف الناس في أداء الزكاة
بيّنت الدكتورة زينب أن المحبين هم الذين يخرجون الزكاة حباً في الله لا طمعاً في ثواب ولا خوفاً من عقاب، وهؤلاء يتصدقون بزيادة عن القدر المفروض كما فعل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين تصدق بكل ماله وقال: «تركت لهم الله ورسوله»، أما الفئة الثانية فهم التجار الذين يؤدون الزكاة بنية المكافأة أي ابتغاء الأجر والثواب من الله عز وجل، وهم يتعاملون بعقلية المعاملة التجارية مع ربهم فيمنحون المال ليأخذوا الأجر مضاعفاً.
وأما الفئة الثالثة فهم العبيد الذين يؤدون الزكاة خوفاً من العقوبة فقط، فيكتفون بالحد الأدنى المفروض عليهم دون زيادة، ولو رأوا محتاجاً بعد إخراج زكاتهم لم يمدوا له يد العون، مشيرة إلى أن هذه أدنى درجات التعامل مع الله، وأن على المسلم أن يسعى دائماً للارتقاء بنفسه ليكون من «المحبين» لا من «العبيد».
في المال حق غير الزكاة
ذكرت أمين الفتوى قول النبي ﷺ: «إن في المال لحقاً غير الزكاة»، موضحة أن هذا الحديث يعلّمنا أن إخراج الزكاة لا يُعفي الإنسان من واجب المساعدة والعطاء الإنساني، فإذا رأى المسلم جائعاً أو محتاجاً وجب عليه أن يُعينه حتى لو كان قد أدى زكاته بالفعل، لأن روح الزكاة قائمة على المشاركة والتراحم لا على الحسابات المالية فقط.
الزكاة تطهير للمال والنفس
أكدت دار الإفتاء أن الزكاة تطهر المال من الشبهات وتقي صاحبه من الحسد وتكون سبباً في دفع البلاء، كما أن النبي ﷺ قال: «داووا مرضاكم بالصدقة»، مما يدل على أن إخراج الزكاة والصدقة سبب في الشفاء والبركة، وهي ليست خسارة مالية كما يتوهم البعض بل باب واسع للزيادة والنماء، لأن المال الذي يُخرج منه حق الله لا ينقص بل يبارك الله فيه ويضاعفه.
قضية الزكاة على ذهب الزينة من المسائل التي تعكس عمق الفقه الإسلامي وسعته، فالشريعة لا تضيق على الناس بل تراعي ظروفهم وأحوالهم، والنية والعرف هما الفيصل في تحديد الحكم، فإذا كان الذهب للزينة المعتادة فلا زكاة فيه، أما إن تحول إلى مال مدخر فتجب فيه الزكاة، ويبقى الأصل أن الزكاة طهرة للمال وبركة في الرزق، ووسيلة لتحقيق التكافل بين المسلمين، فهي «عبادة تجمع بين الإيمان والعطاء، وتربط بين الغنى والفقير في دائرة الرحمة الإلهية».