الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 الموافق 29 ربيع الثاني 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

نبيل أبوالياسين: أوكرانيا بين مطرقة التهديد الروسي وسندان الصفقات الأمريكية

القارئ نيوز

عندما تتحول سياسة القوى العظمى إلى ساحة مزاد، يصبح مصير الشعوب مجرد بضاعة تباع وتشترى، وتتحول مبادئ العدالة إلى كلمات تردد في خطابات لا تجد طريقاً إلى التطبيق

اليوم، تقف أوكرانيا في مواجهة هذه الحقيقة المرة، عالقة بين مطرقة التهديد الروسي الذي لا يرحم، وسندان الصفقات الأمريكية التي تضع حداً للصراع على حساب سيادة البلد وكرامة شعبه.

 في هذه اللعبة القذرة، يبدو أن الضعيف لا يحترم، وأن التفاوض على ملك الآخرين أصبح القاعدة التي تحكم عالمنا.

مأزق أوكرانيا: بين الدمار والسلام المهين

تجد أوكرانيا نفسها اليوم في موقف لا تحسد عليه، فهي تواجه خيارين مريرين: إما الاستسلام لمطالب روسيا والتنازل عن أجزاء من أراضيها مقابل هدنة هشة، أو المخاطرة بمواجهة دمار شامل تهدد به موسكو.

 الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي ظل لسنوات رمزاً للمقاومة والصمود، يبدو الآن عالقاً في شبكة من المفاوضات الدولية المعقدة، حيث أصبحت بلاده ساحة لتصفية الحسابات بين القوى العظمى.

 لقد أصبحت كلمات زيلينسكي تتردد في الأوساط الدبلوماسية: «بوتين يفاوض على ما لا يملكه، وأوكرانيا ليست للبيع»، لكن يبدو أن هذه الصيحات تذهب أدراج الرياح في قاعات السلطة حيث تتخذ القرارات المصيرية بعيداً عن ضجيج المعارك وآهات الضحايا.

لقد حاول زيلينسكي مراراً كسر هذه الحلقة المفرغة، فدعا إلى عقد قمة ثلاثية تجمع به مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب، معلناً استعداده للانضمام إلى أي محادثات من هذا القبيل.

 لكن هذه الدعوة جاءت في وقت يبدو فيه أن اللعبة السياسية قد حُسمت إلى حد كبير لصالح القوى الأقوى، حيث تتصاعد الضغوط على أوكرانيا لقبول شروط مهينة مقابل وقف إطلاق النار.

 إنها معادلة قاسية تضع الشعب الأوكراني في موقف لا يحسد عليه: إما التنازل عن سيادته على أجزاء من أراضيه، أو المخاطرة بفقدان كل شيء.


ترامب وبوتين: صفقة على حساب أوكرانيا

في المشهد الدولي المعقد، يبرز تحالف غير مقدس بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، حيث تتحول مصائر الشعوب إلى قطع شطرنج على رقعة السياسة الدولية.

 فبينما كان ترامب يلتقي بزيلينسكي في البيت الأبيض، كانت المكالمات الهاتفية مع بوتين تتواصل لتنسيق الخطوات التالية في هذه الصفقة الكبرى.

 لقد حاول ترامب حث زيلينسكي على قبول الشروط الروسية لإنهاء الحرب، مهدداً بأن بوتين قد «يدمر أوكرانيا» إذا رفضت ذلك، في مشهد يجسد بوضوح ازدواجية المعايير التي تحكم السياسة الدولية.

الأكثر إثارة للقلق هو الإصرار الروسي والأمريكي على عقد القمم في أماكن مثل المجر، التي يراها الزعيم الأوكراني غير مناسبة للمفاوضات.

 هذا التصرف يستذكر مؤتمرات القرن الماضي حيث كانت تقتسم أراضي الشعوب في غرف مغلقة، بعيداً عن أنظار من تمسهم هذه القرارات المصيرية. 

إنه مشهد يذكرنا بأن التاريخ يعيد نفسه، لكن هذه المرة بأدوات أكثر تطوراً ووسائل إعلام أكثر ضجيجاً تخفي وراءها حقيقة واحدة: أن الشعوب تدفع ثمن صراع القوى العظمى.


أزمة الدعم العسكري: عندما تصبح الأسلحة أدوات مساومة

في خضم هذه المعمعة الدبلوماسية، تبرز أزمة الدعم العسكري لأوكرانيا كواحد من أهم أدوات الضغط. فرفض ترامب تزويد الجيش الأوكراني بصواريخ «توماهوك» المتطورة، بحجة أن الولايات المتحدة تحتاجها للدفاع عن نفسها، يكشف عن الحدود الحقيقية للدعم الغربي لأوكرانيا. 

لقد أصبحت هذه الصواريخ، التي كان يمكن أن تغير موازين القوى على الأرض، مجرد أداة مساومة في يد القوى الكبرى، تمنحها حيناً وتمنعها أحياناً أخرى وفقاً لمصالحها.

هذا الرفض يأتي في وقت كان يمكن لهذه الأسلحة أن تشكل رادعاً حقيقياً للجيش الروسي، وتوفر للقوات الأوكرانية الغطاء الذي تحتاجه للدفاع عن أراضيها. 

لكن يبدو أن القرارات الإستراتيجية في واشنطن وموسكو تتفق على شيء واحد: ألا تدع أوكرانيا تصبح قوية مايكفي للانتصار، ولا ضعيفة يكفي للسقوط الكامل

إنها معادلة محسوبة بدقة، تترك أوكرانيا في حالة من الضعف المدبر، حيث تصبح أكثر استعداداً لقبول الشروط المفروضة عليها.


ازدواجية المعايير: عندما يصبح السلام تجارة

لا توجد صورة أكثر وضوحاً لـ ازدواجية المعايير الدولية من تلك التي تجسدت في تعامل الإدارة الأمريكية مع الأزمات في أوكرانيا وفلسطين. 

فبينما يتم الضغط على أوكرانيا لقبول شروط مهينة للسلام، نرى الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل في حربها على غزة.

 لقد أعطى ترامب الضوء الأخضر لنتنياهو بتدمير القطاع بالكامل، وها هو اليوم يقترح «نقل سكان غزة» إلى دول الجوار بحجة أن "غزة دمرت بالكامل"، في سابقة خطيرة تذكرنا بأسوأ صفحات التاريخ.

هذه الازدواجية لا تقتصر على السياسة الأمريكية فقط، بل تمتد إلى المؤسسات الدولية التي يفترض أنها تحمي حقوق الشعوب وتدافع عن مبادئ العدالة.

 ففي مشهد يثير السخرية والاشمئزاز، تتبادل الحائزة على جائزة نوبل للسلام ماريا كورينا ماتشادو التهاني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تتهمه منظمات حقوقية بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.

 إنه مشهد يجسد انحدار هذه الجوائز وتحولها إلى أداة في يد القوى المهيمنة، بدلاً من أن تكون صوتاً للضعفاء والمظلومين.


وختامًا: العالم بين فكي المافيا الدولية

السلام لم يعد ذلك المبدأ النبيل الذي تسعى إليه الشعوب، بل تحول إلى سلعة في سوق المافيا الدولية.

اليوم، ونحن نشاهد مصير أوكرانيا يُتقاسم في الغرف المغلقة، وشعب فلسطين يُباد تحت أنقاض منازله، وصوت الضعفاء يُخفت تحت دوي المصالح الكبرى، لا يسعنا إلا أن نعترف بحقيقة مريرة: لقد تحول العالم إلى سوق للصفقات، حيث تُباع مبادئ العدالة والحرية بأبخس الأثمان.

 إنها مافيا دولية تدير العالم، لا تعترف إلا بلسان القوة، ولا تحترم إلا من يملك أدوات النفوذ والسلطة.

في هذا المشهد القاتم، تبرز حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها: أن الشعوب تدفع ثمن صراع القوى العظمى، وأن الضعيف لا يحترم في عالم لا يعترف إلا بمنطق القوة. 

لكن التاريخ يعلمنا أن هذه اللحظات، رغم قسوتها، هي التي تلد أقوى حركات المقاومة، وأن صيحات الظلم، رغم محاولات إسكاتها، ستظل تتردد حتى تتحقق العدالة

فهل نتعلم من دروس الماضي، أم أننا سنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة، حيث تنتصر المصالح على المبادئ، وتُباع أوطان بأكملها في سوق النخاسة الدولي؟.

تم نسخ الرابط