سوبارو تفاجئ الأسواق وتراجع خططها للسيارات الكهربائية.. ما السبب؟

في خطوة مفاجئة أثارت تساؤلات عديدة في أوساط صناعة السيارات، أعلنت شركة «سوبارو» اليابانية خلال هذا الأسبوع أنها بصدد «إعادة تقييم استراتيجيتها» للتحول الكامل نحو السيارات الكهربائية في ظل ما وصفته بأنه «مرحلة مضطربة» تمر بها صناعة السيارات عالميًا، لا سيما في السوق الأمريكية التي تمثل أهمية محورية للعلامة اليابانية العريقة.
طراز كهربائي وحيد في السوق الأمريكية
عند زيارة الموقع الإلكتروني الرسمي لشركة «سوبارو» في الولايات المتحدة، يُلاحظ على الفور أن الشركة لا تقدم سوى طراز واحد فقط يعمل بالطاقة الكهربائية بالكامل، وهو طراز «سولتيرا» الذي خضع لبعض التحسينات مؤخرًا ليواكب متطلبات المستخدم الأمريكي من حيث الأداء والراحة والاعتمادية، أما الطراز الثاني الذي يندرج تحت فئة السيارات الكهربائية فهو «تريل سيكر»، وهو النموذج الذي تم الكشف عنه لأول مرة خلال فعاليات معرض نيويورك الدولي للسيارات، وتخطط الشركة لطرحه بشكل رسمي في الأسواق خلال عام 2026.
رغم هذه الخطط، فإن خريطة إنتاج «سوبارو» لا تُظهر حتى الآن أي إشارات واضحة على وجود طرازات كهربائية جديدة قادمة في المدى القريب، وهو ما يُعزز من صحة التساؤلات حول مدى التزام الشركة بمسار التحول الكهربائي الشامل.
أزمة ثقة في السوق الأمريكية
تُشير المعطيات إلى أن التراجع في إقبال السوق العالمي على السيارات الكهربائية ليس العامل الوحيد الذي دفع «سوبارو» إلى إعادة النظر في خططها، إذ أن هناك مخاوف متزايدة لدى الشركة من عدم استقرار السياسات الأمريكية المتعلقة بالرسوم الجمركية والإعفاءات الضريبية المخصصة للسيارات الكهربائية.
فحتى هذه اللحظة لا يزال مصير هذه الإعفاءات غير مؤكد، كما أن توجهات الإدارة الأمريكية المقبلة، سواء فيما يتعلق بالحفاظ على الرسوم المرتفعة التي فرضتها إدارة ترامب أو إلغائها، تُعد من العوامل الجوهرية التي تؤثر في قرارات الشركات المصنعة، وقد أوضحت «سوبارو» أن هذه الحالة من «الضبابية السياسية» تجعل من الصعب جدًا اتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأمد.
أعباء جمركية ضخمة قد تكلف الشركة المليارات
بحسب ما أوردته تقارير متخصصة، فإن تقديرات «سوبارو» الداخلية تشير إلى أن الرسوم الجمركية التي فُرضت في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد تُكلّف الشركة ما يصل إلى 2.5 مليار دولار خلال عام واحد فقط، رغم امتلاك الشركة لمصنع ضخم في ولاية إنديانا الأمريكية، إلا أن هذا المصنع لا يغطي سوى نصف احتياجات السوق المحلي، إذ يُنتج حوالي 345 ألف سيارة سنويًا، بينما يتجاوز الطلب على سيارات «سوبارو» في السوق الأمريكية أكثر من 700 ألف سيارة في السنة الواحدة.
حتى لو رغبت الشركة في زيادة الطاقة الإنتاجية لمصنعها إلى 500 ألف وحدة سنويًا، فإن المشكلة الأخرى التي تواجهها تكمن في قدرة سلسلة التوريد، حيث أوضحت الشركة أن الموردين الحاليين لا يمكنهم تجاوز عتبة 370 ألف سيارة سنويًا دون إدخال تعديلات جذرية على البنية التحتية الخاصة بالإمدادات وقطع الغيار.
سوبارو بين الحلم الكهربائي وواقع السوق المعقد
تبدو شركة «سوبارو» حاليًا وكأنها تقف عند مفترق طرق، إذ أنها مطالبة بالاختيار بين مواكبة السباق العالمي المحموم نحو السيارات الكهربائية أو التعامل بواقعية مع التحديات الاقتصادية والجمركية التي تحاصرها من كل اتجاه، وبينما تتحرك شركات كبرى مثل «تسلا» و«فورد» نحو مضاعفة استثماراتها في المركبات الكهربائية، اختارت «سوبارو» أن تتروى قليلًا وتراقب المشهد العالمي عن كثب.
التحولات في السياسة الأمريكية، وتباطؤ السوق العالمية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، جميعها عوامل تضغط على شركة «سوبارو» وتجبرها على إعادة ترتيب أولوياتها، خصوصًا أن العلامة اليابانية لا تمتلك نفس الحصة السوقية أو القدرات التمويلية الهائلة التي تملكها شركات أخرى في مجال التحول الكهربائي، ولذلك فإن أي خطأ استثماري قد يُعرضها لخسائر فادحة يصعب تداركها.
مستقبل السيارات الكهربائية داخل أروقة سوبارو
رغم ما يبدو من تحفظ، إلا أن «سوبارو» لم تُغلق الباب تمامًا أمام عالم السيارات الكهربائية، حيث أكدت في تصريحات متفرقة أنها ما زالت ترى في التحول الكهربائي مستقبلًا لا مفر منه، لكنها تشدد في الوقت ذاته على أهمية أن يكون هذا التحول مدروسًا ومتوازنًا من الناحية المالية والإنتاجية، وعلى ضوء ما يطرأ من تغيرات في السياسات الأمريكية والاقتصاد العالمي بشكل عام.
ويبقى السؤال مطروحًا داخل أروقة الصناعة وبين أوساط المستثمرين والمحللين، هل ستنجح «سوبارو» في الحفاظ على مكانتها داخل السوق الأمريكي في ظل هذه المتغيرات، أم أن تحفظها سيكون بمثابة خطوة تأخير قد تدفع ثمنها لاحقًا في سباق التحول الكهربائي.