فخ المشروبات الغازية.. كيف تدمر كليتيك دون سابق إنذار

المشروبات التي اعتاد كثيرون تناولها يوميًا دون تفكير قد تكون في الحقيقة أحد أخطر العوامل التي تهدد صحة الكلى وتفتح الباب على مصراعيه لظهور مشكلات صحية تبدأ بـ«حصوات الكلى» ولا تنتهي عند «الفشل الكلوي» فالمشروبات الغازية التي تسوَّق ببراعة وتُقدَّم على أنها «منعشة» و«مرطبة» تخفي في طياتها تركيبة معقدة من السكريات والأحماض والمواد الحافظة التي تضع ضغطًا هائلًا على الكليتين مع كل جرعة يتم تناولها.
كيف تتسلل «المشروبات الغازية» إلى كليتيك؟
يظن البعض أن المشروبات الغازية تمر عبر الجسم مرور الكرام دون تأثير حقيقي على الأعضاء الداخلية، ولكن الحقيقة أن تلك «المشروبات» تدخل مجرى الدم وتُجبر الكلى على العمل بطاقة مضاعفة من أجل تصفية المواد الكيميائية الضارة الموجودة فيها، خاصة مركبات مثل «حمض الفوسفوريك» و«السكر الصناعي» و«الكافيين»، وهي مكونات معروفة بأنها تسبب «زيادة الحمضية في البول» ما يُعزز من فرص ترسيب الأملاح وتكوين الحصوات.
كما أن الاستهلاك المفرط من المشروبات الغازية يؤدي إلى اضطراب توازن الكالسيوم والفوسفات في الجسم، وهما عنصران يلعبان دورًا مهمًا في تكون الحصوات داخل الكلى، علاوة على ذلك فإن «الكافيين» الموجود في تلك المشروبات يُساهم في رفع معدل البول ما يزيد من احتمالية الجفاف إذا لم يتم تعويض الجسم بكميات كافية من الماء، وهو ما يشكّل بيئة مثالية لنمو الحصوات وتبلورها.
علاقة «المشروبات الغازية» بحصوات الكلى
الدراسات العلمية الحديثة أظهرت أن الأشخاص الذين يتناولون كميات كبيرة من «المشروبات الغازية» معرضون بنسبة أكبر لتكوين حصوات الكلى مقارنة بأولئك الذين يعتمدون على الماء أو العصائر الطبيعية، حيث كشفت دراسة نشرت في مجلة Clinical Journal of the American Society of Nephrology أن تناول عبوتين أو أكثر من المشروبات الغازية يوميًا يزيد من خطر الإصابة بحصوات الكلى بنسبة تصل إلى 23٪.
هذا الارتباط الخطير يعود إلى تأثير هذه «المشروبات» على معدل إخراج الكالسيوم والسترات من الجسم، إذ أن انخفاض مستوى السترات في البول يجعل عملية ترسيب الكالسيوم أكثر سهولة، كما أن المشروبات السكرية ترفع من مستويات الأنسولين في الجسم، ما يؤدي إلى احتباس الكالسيوم داخل الكلى بدلًا من التخلص منه عن طريق البول.
«المشروبات الغازية» وتأثيرها طويل الأمد على الكلى
لا يتوقف تأثير المشروبات الغازية عند حد تكوين الحصوات فقط، بل يتعداه إلى أضرار طويلة الأمد تشمل تلف الأنسجة الكلوية وارتفاع ضغط الدم الذي بدوره يضر بالكلى تدريجيًا، كما أن الإفراط في تناول تلك المشروبات يرفع من خطر الإصابة بـ«مرض الكلى المزمن» وهو مرض تدريجي لا تظهر أعراضه إلا بعد فوات الأوان.
في دراسة أجراها باحثون من جامعة جونز هوبكنز تبين أن الأشخاص الذين يستهلكون أكثر من عبوتين من المشروبات الغازية يوميًا كانوا أكثر عرضة لتراجع في وظائف الكلى خلال فترة لا تتجاوز الخمس سنوات، وهذا التراجع قد يؤدي في النهاية إلى الاعتماد على الغسيل الكلوي أو حتى الحاجة إلى زراعة كلى.
كيف تحمي كليتيك من فخ «المشروبات الغازية»؟
الوقاية تبدأ بالإدراك، فإن كنت من محبي المشروبات الغازية فعليك أن تعي أن كل رشفة تتناولها تحمل في طياتها خطرًا محتملًا على كليتيك، ومن الأفضل أن تقلل استهلاكك تدريجيًا، وتستبدلها بالماء النقي أو العصائر الطبيعية الخالية من السكر المضاف، كما يُنصح بمراقبة الكميات اليومية التي تستهلكها من السوائل عمومًا، لأن الترطيب الكافي يعتبر من أهم عوامل الوقاية من الحصوات الكلوية.
كذلك يُنصح باتباع نمط غذائي صحي غني بالفواكه والخضروات والأطعمة التي تدعم صحة الكلى مثل الخيار والبطيخ والتوت، كما أن الابتعاد عن الملح الزائد والبروتينات الحيوانية قد يُخفف من العبء على الكلى، أما إذا كنت قد عانيت سابقًا من حصوات الكلى فالأمر يتطلب منك مزيدًا من الحذر، حيث إن تكرار الإصابة أمر شائع في حال لم يتم تغيير العادات الغذائية.
هل هناك بدائل آمنة عن «المشروبات الغازية»؟
لحسن الحظ توجد بدائل صحية يمكن الاعتماد عليها لترطيب الجسم دون تعريض الكلى للخطر، مثل المياه المعدنية المضاف إليها شرائح الليمون أو النعناع، أو شاي الأعشاب الطبيعي مثل الكركديه أو البابونج، كما أن هناك مشروبات غنية بالبوتاسيوم والمغنيسيوم تُساهم في تعزيز عمل الكلى وتحمي من تراكم الأملاح، وهي تشمل العصائر الطبيعية مثل عصير الرمان والتفاح.
ولكن ينبغي التنبه إلى عدم الانسياق وراء «المشروبات» التي تُسوّق على أنها صحية بينما تحتوي في الواقع على نسب عالية من السكر أو محليات صناعية، فبعض المشروبات «الدايت» قد لا تحتوي على سعرات حرارية ولكنها تضر بالكلى بنفس الطريقة إن لم تكن أسوأ.
فخ المشروبات الغازية ليس مجرد مسألة سعرات حرارية زائدة أو تسوس أسنان، بل هو تهديد حقيقي لصحة الكليتين، اللتين تعملان بصمت على تنقية الجسم من السموم، ومع الاستهلاك اليومي والمتكرر لتلك «المشروبات» تتعرض الكلى إلى ضغط متواصل قد لا يظهر أثره إلا بعد سنوات، لذا فإن اتخاذ قرار بالتقليل منها أو التوقف عنها ليس رفاهية بل ضرورة صحية تمليها علينا أجسادنا التي تستحق الحماية والعناية.