اكتشاف مقبرتين تعودان إلى ما قبل حضارة الإنكا أسفل شوارع عاصمة بيرو

الثلاثاء 05/أغسطس/2025 - 10:35 م

في واقعة فريدة تسلط الضوء على غنى بيرو التاريخي، عثر عمال المرافق أثناء عمليات حفر لتوسيع شبكات الغاز في العاصمة «ليما» على مقبرتين تعودان إلى فترة ما قبل حضارة الإنكا، في اكتشاف وصفه علماء الآثار بأنه «دليل جديد على الإرث العميق المدفون تحت المدينة الحديثة».

العثور على رفات ومقتنيات جنائزية نادرة

وبحسب ما أعلنه عالم الآثار البيروفي «خوسيه علياجا»، فإن إحدى المقبرتين كانت فارغة، بينما احتوت الأخرى على رفات شخص يقدر عمره بأكثر من ألف عام، مدفونًا داخل حزمة قماش ممزقة، وفي وضعية جلوس واضعًا ساقيه على صدره.

وأضاف «علياجا» أن القبر اشتمل أيضًا على أربع أوانٍ فخارية مزيّنة، بالإضافة إلى ثلاث قطع أثرية من قشور اليقطين المعروفة محليًا باسم «قرع العسل»، والتي كانت تُستخدم في الطقوس الجنائزية لدى العديد من الحضارات القديمة في بيرو.

رمزية الألوان تربط القبر بثقافة تشانكاي

وأوضح عالم الآثار أن تصميمات الأواني الفخارية وألوانها الثلاثة: الأسود، والأبيض، والأحمر، تشير إلى انتماء هذا القبر إلى حضارة «تشانكاي» التي سبقت حضارة الإنكا وازدهرت ما بين عامي 1000 و1470 ميلادية، مؤكدًا أن هذه الألوان كانت ذات دلالات رمزية خاصة في معتقداتهم الدينية والجنازية.

وقال «علياجا»: «الأيقونات المرسومة على الأواني، إلى جانب النمط الجنائزي المميز، يُرجحان أن المقبرة تعود لحقبة تشانكاي، التي كانت تتركز في المنطقة الساحلية الوسطى من بيرو».

ليما.. مدينة تحتها تاريخ مدفون

وأكد «علياجا» أن فريقه سيواصل تنظيف وتحليل البقايا الأثرية المكتشفة، مشيرًا إلى أن ليما تعتبر واحدة من أكثر العواصم في أمريكا اللاتينية التي تُسفر مشروعاتها المدنية عن اكتشافات أثرية.

وأضاف في تصريحات صحفية: «ليما مدينة فريدة من نوعها، فمع كل عملية حفر سواء للبنية التحتية أو أي مشاريع حضرية نصادف غالبًا مواقع أثرية أو مدافن تعود إلى حضارات ما قبل الإسبان».

400 موقع أثري تحت العاصمة الحديثة

وتعد العاصمة البيروفية «ليما»، التي يبلغ عدد سكانها حاليًا نحو 10 ملايين نسمة، موطنًا لأكثر من 400 موقع أثري، تعود غالبيتها إلى فترة الإنكا أو حتى ما قبلها، بحسب ما أكده «بيتر فان دالين»، عميد كلية علماء الآثار في بيرو.

وفي تعليقه على الاكتشاف الأخير، قال «فان دالين»: «من الشائع جدًا العثور على رفات بشرية أو مومياوات أو مقابر جنائزية على طول ساحل بيرو، خصوصًا في ليما.

فالأرض هنا لا تزال تحتفظ بأسرار حضارات عريقة مضت منذ قرون».

المشروعات الحضرية تكشف التاريخ

ويُعزى تكرار الاكتشافات الأثرية في ليما إلى كثافة أعمال التطوير الحضري وشبكات البنية التحتية، إذ غالبًا ما تُجرى الحفريات على عمق كافٍ للوصول إلى المستويات التي دُفنت فيها هذه الكنوز القديمة.

وكانت المقبرتان المكتشفتان مؤخرًا ضمن منطقة خاضعة لأعمال حفر أنابيب الغاز، ما يدل على أهمية إجراء مسح أثري مسبق قبل تنفيذ أي أعمال في مناطق يُحتمل أن تكون غنية بالموروث التاريخي.

حضارة تشانكاي.. لمحة عن الماضي الغامض

وتُعد حضارة «تشانكاي» من أبرز الثقافات الساحلية القديمة التي سبقت الإنكا، وتركز وجودها في ما يعرف اليوم بإقليم «ليما».

واشتهرت هذه الحضارة بمهاراتها في صناعة الفخار والأنسجة، وكذلك بطقوسها الجنائزية الخاصة.

ويعتقد المؤرخون أن شعب تشانكاي كانوا يعتمدون على الزراعة وصيد الأسماك، وكان لديهم نظام ديني واجتماعي متطور، جعلهم يخلدون موتاهم بطريقة تدل على الاحترام والتقديس، عبر تحنيط الجثث وتقديم القرابين داخل القبور.

الآثار.. كنز وطني وسياحي

تثير هذه الاكتشافات المتكررة في بيرو اهتمامًا عالميًا متزايدًا، إذ تُسلط الضوء على مدى عمق وتنوع الحضارات التي سبقت الإنكا.

كما تشكل هذه المواقع الأثرية عامل جذب سياحي مهمًا، يدفع السلطات المحلية إلى تبني سياسات أكثر حرصًا على صون هذه الكنوز من التلف.

وتُجري الجهات المختصة حاليًا عمليات توثيق وحفظ لما تم العثور عليه، تمهيدًا لدراسته بشكل أعمق، وربما عرضه لاحقًا في أحد المتاحف الوطنية أو المراكز الثقافية، ضمن جهود الحكومة البيروفية لتعزيز الوعي بتاريخ البلاد القديم.

الماضي تحت أقدام الحاضر

يبقى الاكتشاف الأخير تذكيرًا بأن المدن الحديثة قد تكون مبنية فوق أراضٍ غارقة في التاريخ، وأن كل مشروع حضري قد يحمل في طياته مفاجآت أثرية تثري فهم البشرية لماضيها.

وفي حالة ليما، يبدو أن كل حفر جديد قد يكون بوابة لكشف سر قديم مدفون في أعماق الأرض.

الثقافة