الأربعاء 14 مايو 2025 الموافق 16 ذو القعدة 1446
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

الإفتاء تجيب.. هل يجوز «الانصراف من مزدلفة» قبل الفجر؟

الحج
الحج

أوضحت لجنة «الإفتاء» التابعة لمجمع البحوث الإسلامية أن مسألة ترك المبيت بمزدلفة هي من المسائل التي تتكرر فيها التساؤلات خاصة مع ازدحام موسم الحج، وحرصًا منها على توضيح الأحكام الشرعية المرتبطة بهذه الشعيرة العظيمة، أكدت اللجنة أن من ترك المبيت في مزدلفة بسبب عذر معتبر شرعًا فلا يفسد حجه ولا يُطلب منه فدية أو دم، بل يُعد حجه صحيحًا ومقبولًا بإذن الله تعالى، وهي فتوى أثارت ارتياحًا واسعًا لدى جمهور الحجاج الذين يواجهون ظروفًا مختلفة قد تمنعهم من المبيت في هذا الموضع المقدس.

أعذار معتبرة تبيح ترك المبيت وفقًا لرؤية «الإفتاء»

بيّنت لجنة «الإفتاء» أن هناك حالات محددة وصفها العلماء بأنها أعذار شرعية واضحة تتيح للحاج الانصراف من مزدلفة دون أن يكون ذلك خللًا في أداء المناسك، ومن أبرز هذه الأعذار أن تخشى المرأة نزول «الحيض» أو «النفاس» فتسارع في التوجه إلى مكة لأداء طواف الإفاضة، وهو ركن لا يمكن تأخيره في هذه الحالة.

كذلك من الأعذار أن ينشغل الحاج بالوقوف بعرفة ويُجهد بدنيًا أو نفسيًا بما يمنعه من التوجه إلى مزدلفة، أو أن يكون الحاج مريضًا أو ضعيفًا لا يقوى على البقاء هناك خاصة مع برودة الجو أو الازدحام الشديد الذي قد يشكل خطرًا عليه.

كما أضافت لجنة «الإفتاء» أن من الأعذار المشروعة أيضًا الخوف من الزحام على النفس أو على من يصحبه من نساء أو كبار في السن، أو الأطفال أو أصحاب الإعاقات، فكل من يُخشى عليهم من الضرر يجوز لهم مغادرة مزدلفة بعد منتصف الليل مباشرة دون فدية.

خدمة الحجاج مبرر شرعي للانصراف من مزدلفة

تابعت لجنة «الإفتاء» فتواها بالتأكيد على أن هناك فئات بعينها يخدمون الحجيج ويقضون حوائجهم، مثل السقاة، والمرشدين، وسائقي الحافلات، وأفراد الأمن، ورجال الطوارئ، وهؤلاء لهم حكم خاص لأنهم يقومون على مصلحة عامة، وقد اتفق العلماء على أنهم يجوز لهم مغادرة مزدلفة قبل الفجر دون أن يلحقهم إثم أو وجوب دم، نظرًا لطبيعة مهامهم التي تتطلب التنقل المستمر والرعاية المباشرة لضيوف الرحمن.

المبيت في مزدلفة بين الواجب والرخصة وفقًا لرأي العلماء

وفي سياق متصل، قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق، إن جمهور الفقهاء اتفقوا على أن المبيت في مزدلفة هو من واجبات الحج وليس ركنًا، أي أن تركه لا يُبطل الحج لكنه يُطلب فيه دم في حالة عدم وجود عذر، أما إذا وُجد عذر معتبر كما أشارت إليه «الإفتاء» فلا شيء على الحاج.

وأوضح الدكتور جمعة أن المكث في مزدلفة بعد منتصف الليل ولو للحظة واحدة يحقق شرط المبيت شرعًا، ويُعد الحاج حينها قد أدى هذا الواجب، لكن الأفضل والأكمل هو اتباع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي بات في مزدلفة حتى صلاة الفجر ثم توجه إلى المشعر الحرام للدعاء والمناجاة حتى قبيل شروق الشمس.

الترخيص للمغادرة بعد منتصف الليل.. من هدي النبي صلى الله عليه وسلم

أشار الدكتور علي جمعة إلى أن السنة النبوية المطهرة رخّصت للنساء والضعفاء ومن معهم بالمغادرة من مزدلفة بعد منتصف الليل، واستند في ذلك إلى الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله»، وهو نص صريح في أن التخفيف كان مقصودًا ومشروعًا ولا يخالف شعائر الحج.

وأكدت لجنة «الإفتاء» في هذا السياق أن هذا الحديث يدل على مراعاة الإسلام لأحوال الناس وتخفيفه عنهم، وأن كل ما فيه مشقة زائدة أو ضرر يُمكن فيه الأخذ برخصة شرعية واضحة، مما يعكس جوهر الشريعة في رفع الحرج عن العباد.

المعنى اللغوي والشرعي لمزدلفة في التراث الإسلامي

وعن سبب التسمية، أشارت اللجنة إلى أن «مزدلفة» سُميت بهذا الاسم لاجتماع الحجاج فيها وزُلف الليل أي أوله، ويُقال أيضًا إنهم «يزدلفون» أي يتقربون بها إلى الله تعالى وإلى الحرم المكي، ومن معانيها أيضًا أنهم يدفعون منها إلى منى دفعة واحدة، وهي معانٍ تؤكد خصوصية هذا المكان وفضله في نفوس الحجيج.

وسمّى الله تعالى مزدلفة في القرآن بـ«المشعر الحرام»، في قوله الكريم: «فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام»، مما يدل على قدسية الموقع وأهمية الذكر والدعاء فيه.

حدود مزدلفة الجغرافية وأهم معالمها الشرعية

أوضحت «الإفتاء» أن منطقة مزدلفة كلها تعد موقفًا شرعيًا للحجاج، عدا وادي «محسر»، وهو وادٍ صغير يقع بين مزدلفة ومنى، حيث يُستحب الإسراع عند المرور به تأسّيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ويحد مزدلفة من الغرب ضفة وادي محسر الشرقية، ومن الشرق طريق المأزمين المؤدي إلى عرفات، ومن الشمال يقع جبل «ثبير النصع» المعروف كذلك باسم جبل مزدلفة، وهو من المعالم الجغرافية البارزة التي يعرفها أهل مكة والحجاج منذ القدم.

توصيات من «الإفتاء» للحجاج

ختمت لجنة «الإفتاء» بيانها بالتأكيد على ضرورة التيسير على الحجاج وفهم أحكام المناسك على ضوء الفقه الصحيح بعيدًا عن التشدد أو التفريط، داعية جميع الحجاج إلى الرجوع للجهات المختصة مثل «الإفتاء» أو بعثات العلماء المرافقة لهم حال وجود أي لبس أو إشكال، وذلك حتى يتحقق الأمن الفقهي والطمأنينة في أداء مناسك الحج على الوجه الصحيح.

وبذلك تكون لجنة «الإفتاء» قد أرست قاعدة مهمة تؤكد على رحمة الشريعة وتيسيرها في المواقف الطارئة، لتظل «الإفتاء» دومًا مرجعًا موثوقًا في شؤون العبادات والطاعات.

تم نسخ الرابط