خوف تاريخي.. ماذا تقول كتبهم المقدسة عن رعب اليهود؟

يفاجأ البعض عند مشاهدة الصهاينة يهرعون إلى الملاجئ في كل مواجهة أو تهديد خارجي، وكأن هذا الرعب مفاجئ أو غير مبرر.
لكن الحقيقة أن الخوف ليس طارئا على بني إسرائيل، بل هو سمة متأصلة في تكوينهم النفسي والديني والتاريخي، كما تكشفه كتبهم المقدسة.
الخوف منذ لحظة الخروج.. تيه النفس والجسد
بعد خروج بني إسرائيل من مصر، دخلوا رحلة التيه في صحراء سيناء، رحلة امتدت أربعين عامًا، سجلتها التوراة في «سفر الخروج»، ومنذ اللحظة الأولى، ظهرت ملامح الخوف والتذمر:
«فتذمر كل جماعة بني إسرائيل على موسى وهارون... وقالوا: ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر، إذ كنّا نجلس عند قدور اللحم» (الخروج 16: 2-3).
هنا يظهر الخوف من الجوع والمجهول، والشك في الخلاص الإلهي رغم المعجزات التي سبقت الخروج. هذا الخوف انعكس لاحقًا في سلوكهم تجاه دخول أرض كنعان.
خوف من السقوط.. من الجبابرة لا من الرب
عندما أرسل موسى الجواسيس لاستكشاف أرض كنعان، عاد عشرة منهم بتقارير مرعبة، وتسبب ذلك في فزع جماعي ورفض لدخول الأرض، مما أغضب الرب عليهم:
«قد رأينا هناك الجبابرة بني عناق، فصرنا في أعيننا كالجراد..» (عدد 13:33).
رفض بني إسرائيل دخول الأرض الموعودة جعلهم يدفعون ثمنًا غاليا: التيه أربعين عامًا أخرى. الخوف هنا تحول من أداة حذر إلى عائق وجودي أمام تحقيق الوعد الإلهي.
الخوف في الأسر.. فقدان الهوية والرعب من الضياع
عرفت جماعات بني إسرائيل فترات طويلة من السبي والشتات، خاصة في السبي الآشوري والبابلي، وظهرت في تلك الفترات نصوص تنطق بالخوف من الذوبان والتيه الروحي:
«على أنهار بابل هناك جلسنا، بكينا عندما تذكرنا صهيون..» (مزمور 137).
وفي سفر إرميا، يرتبط الخوف هنا بالعقاب الإلهي على الخطايا، مما يعمق الشعور بالذنب الجماعي ويزرع جذور التوجس الدائم من المستقبل.
الخوف في المعارك.. أوامر إلهية بالثبات لمواجهة الرعب الداخلي
حتى في لحظات الحروب التي يخوضها بنو إسرائيل بأمر إلهي، نجد أن النصوص تركز على ضرورة «تشجيع النفس» و«طرد الخوف»، ما يدل على وجوده العميق في الوجدان الجمعي:
«تشدد وتشجع، لا ترهب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب» (يشوع 1:9).
مثل هذه العبارات تتكرر كثيرًا، في دلالة على الخوف المزمن من مواجهة الآخر، سواء في الصحراء أو المدن.
الخوف الإسرائيلي من الماضي إلى الحاضر.. نفس النفسية، أدوات جديدة
ربما تفسر هذه الجذور النفسية والدينية مظاهر الهلع الجماعي لدى الإسرائيليين اليوم عند كل صفارة إنذار، أو عند مواجهة تهديدات من المقاومة أو من دول كإيران.
الاحتماء بالملاجئ، التعلق بالدعم الأمريكي، الهوس بـ«القبة الحديدية»، كلها ليست سوى امتداد لنفس الخوف التوراتي: الخوف من الآخر، من الاضمحلال، من الهزيمة، من العقاب.
في الختام.. عقدة نفسية أم وعي تاريخي؟
يبقى السؤال مفتوحا: هل ما نراه اليوم هو مجرد أثر لتاريخ طويل من التشرد والتيه، أم أن الدولة الصهيونية الحالية ورثت هذه النفسية وتغذيها سياسيا لبناء صورة «الدولة المحاصرة المهددة» لتبرير وجودها؟
الأكيد أن الخوف في العقل اليهودي ليس طارئًا، بل هو ركن تأسيسي في البنية النفسية والفكرية، تتكرر مظاهره في النصوص والحروب، في الماضي والحاضر، وفي ملجأ اليوم كما في صحراء التيه.
ويظل الخوف في الوجدان الإسرائيلي جزءًا لا يتجزأ من الوعي الجماعي، تتوارثه الأجيال كما تتوارث الطقوس والأساطير.
فحتى مع امتلاك القوة العسكرية والتقنيات المتقدمة، يبقى الشعور بالخطر والارتياب حاضرين بقوة، كأنهم يعلمون أن مشروعهم قائم على هشاشة تاريخية وأخلاقية.
وهذا ما يجعل كل مواجهة تهزهم من الداخل، وتعيدهم إلى ذاكرة التيه، والهروب، والملاجئ، والخوف من المصير المحتوم.
فرعب الصهاينة لم يكن وليد اللحظة، بل هو رعب متجذر في كتبهم وأساطيرهم، ويلاحقهم في كل مواجهة، رعبهم من الموت، ورعبهم من الحقيقة التي يهربون منها.