ما الفرق بين «ابتلاء الصبر» و«ابتلاء الجزع»؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعي

الإفتاء تؤكد أن «الابتلاء» من أقدار الله التي تحمل اللطف والرحمة وتفتح أبواب الثواب للمؤمنين الذين يصبرون عليه، ويختلف في معناه ومقصده بحسب موقف العبد من البلاء، هل يصبر عليه فينال رضا الله، أم يجزع فيكون عرضة لسخط الله.
الابتلاء رفعة ورحمة من الله
أشارت دار «الإفتاء» المصرية في ردها على سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي حول الفرق بين «ابتلاء الرضا» و«ابتلاء الغضب» إلى أن كل ما يصيب المؤمن من «ابتلاءات» في الدنيا إنما هو في حقيقته «رفعة في الدرجات» ومحو للسيئات وليس دليلا بالضرورة على غضب الله عليه، بل قد يكون علامة حب واصطفاء له.
وأكدت «الإفتاء» أن الابتلاء يتضمن «المنح في طي المحن» ويدخل في نطاق رحمة الله بعباده، والدليل على ذلك ما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» وهذا يعني أن «كل ألم أو ضرر» يمر به الإنسان المؤمن لا يضيع أجره عند الله.
ونقلت الإفتاء عن الإمام ابن حجر العسقلاني قوله في شرح الحديث إن هذا الحديث يجمع بين أمرين عظيمين، وهما: «زيادة الثواب» و«رفع العقاب» فكل بلاء يصيب المؤمن إما أن يكون له به ثواب أو يُغفر له به ذنب، وهذه بشارة عظيمة لأهل الإيمان.
الابتلاء علامة حب الله
قالت الإفتاء إن بعض الابتلاءات تأتي علامة واضحة على أن الله يحب عبده، حيث يبتليه ليسمع دعاءه وتضرعه كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم «إِذا أحَبَّ الله عبدًا ابتلاهُ لِيَسْمَعَ تضرُّعَهُ»، وأوردت الإفتاء رواية أخرى تدعم ذلك المعنى وفيها يقول النبي: «إنَّ عِظَمَ الجزاء مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللَّه إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَنْ رضي فله الرضا، ومَن سخط فله السَّخَطُ» وهذا يشير إلى أن «رضا العبد بالبلاء» علامة حب متبادل بين العبد وربه.
ما الفرق بين ابتلاء الرضا وابتلاء الغضب؟
أجابت الإفتاء عن السؤال بوضوح حيث قالت إن «ابتلاء الرضا» هو الذي يقابله العبد بصبر ورضا وتسليم لأمر الله، فيحصل من خلاله على رحمة الله ورضاه، ويكون في ذلك تكفيرًا للذنوب ورفعًا للدرجات، أما «ابتلاء الغضب» فهو الذي يصحبه «الجزع وعدم الصبر» و«السخط من قضاء الله» وفيه دلالة على عدم قبول العبد لما قدره الله له.
ونقلت الإفتاء عن الإمام ابن الملك قوله إن من علامات «ابتلاء الرضا» أن يصبر العبد على البلاء ويحتسب، ومن ثم يُرضي الله ويرضى عنه، أما من سخط وكره البلاء وجزع، فقد نال غضب الله، والرضا أو السخط هنا لا يتعلق باللسان فقط بل بالقلب أيضًا، فهناك من يتألم ويتوجع بلسانه لكن في قلبه تسليم ورضا.
الرؤية الصوفية للابتلاء
أوردت الإفتاء ما ذكره الشيخ عبد القادر الجيلاني في كتابه «فتوح الغيب» حين شرح الفرق بين الابتلاء الذي يكون نتيجة غضب وبين الابتلاء الناتج عن رضا، فقال إن من علامات الابتلاء الناتج عن الغضب «عدم الصبر والجزع والشكوى إلى الناس»، بينما من علامات الابتلاء تكفيرًا وتمحيصًا للذنوب «وجود الصبر الجميل» دون تذمر أو تذلل للخلق، أما إن كان الابتلاء لرفع الدرجات فإن علامته تكون «الرضا التام والطمأنينة» مع التسليم لقضاء الله.
وأضاف الشيخ الجيلاني أن العبد إذا وصل إلى حالة «الطمأنينة والسكون» تحت البلاء فإنه بذلك يكون قد وصل إلى مقام الرضا، وهذا المقام لا يصل إليه العبد إلا بعد صبر طويل وإيمان راسخ ويقين أن كل ما يقدره الله فيه خير.
هل كل بلاء غضب؟
أوضحت الإفتاء أن «الابتلاء» لا يعني بالضرورة أن الله غاضب على عبده، بل هو اختبار إلهي ليرى الله مدى صبر عبده ورضاه عنه، لذلك شددت الإفتاء على ضرورة أن يفهم الناس الفرق بين النوعين من الابتلاء، وأن يعلموا أن الله قد يبتلي من يحبهم، كما قد يعاقب من يعصي أمره، والعبرة في كل الأحوال برد فعل العبد.
فإن صبر ونوى الرضا نال الخير في الدنيا والآخرة، وإن سخط وكره الابتلاء ضاع أجره ونال غضب الله، ولهذا دعت الإفتاء الناس إلى ضرورة الثبات عند الشدائد والتوجه إلى الله بالدعاء والطاعة والتضرع، لأنه لا يكشف الضر إلا هو.
علامات هامة للتفرقة
قالت الإفتاء إن من أبرز علامات «ابتلاء الرضا» أن يشعر الإنسان برضا داخلي وطمأنينة رغم المصاب، فلا يشكو كثيرًا ولا يظهر التذمر، بل يظهر منه الدعاء والاستغفار واللجوء إلى الله، أما «ابتلاء الغضب» فعلامته كثرة الشكوى وغياب الصبر، مع الاعتراض على أقدار الله بالقول أو بالقلب.
الرضا طريق المحبة
اختتمت الإفتاء حديثها بالتأكيد على أن الرضا هو «طريق محبة الله» ومن أراد أن يكون من «أولياء الله» فعليه أن يرضى بقضائه في السراء والضراء، فالمؤمن الحقيقي لا يميز بين النعمة والبلاء لأن كليهما من عند الله، وكلاهما باب إلى الأجر والمغفرة.