حكم زكاة الذهب المستخدم للزينة في الإسلام
الذهب من أكثر الأموال التي يكثر السؤال عنها فيما يتعلق بالزكاة، ويأتي في مقدمتها مسألة «زكاة الذهب المستخدم للزينة»، إذ يدور حولها خلاف فقهي واسع بين العلماء منذ القدم، حيث تختلف الآراء في وجوب إخراج الزكاة عن الذهب الذي تلبسه المرأة للزينة من عدمه، وفي ضوء هذا الجدل الذي يتجدد كل عام، توضح دار الإفتاء المصرية الموقف الشرعي المفصل من هذه المسألة، مؤكدة أن الحكم يرتبط «بنية المرأة» والغرض من اقتناء هذا الذهب.
حكم زكاة الذهب المستخدم للزينة
أوضحت دار الإفتاء المصرية من خلال فتاواها أن مسألة «زكاة الذهب المستخدم للزينة» محل خلاف بين الفقهاء، حيث يرى بعض العلماء أن الزكاة تجب فيه مطلقًا إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول، بينما يرى آخرون أنه لا زكاة فيه إذا كان معدًا للاستعمال الشخصي وليس للتجارة أو الادخار، وقد أكد الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية أن الرأي المعتمد في الدار هو أنه «لا زكاة في الذهب المعد للزينة المعتادة»، طالما أن نية صاحبته هي الاستعمال وليس الاستثمار.
وأضاف أن الاختلاف بين الأئمة في هذا الباب هو ثمرة اجتهادهم في فهم النصوص الشرعية، موضحًا أن المذاهب الأربعة تناولت المسألة بتفصيل دقيق، فبينما رأى الحنفية وجوب الزكاة على الذهب مطلقًا، رأى جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أن الذهب الذي يُستخدم للزينة المباحة لا زكاة فيه، لأن الزكاة لا تجب إلا في المال النامي المعد للنماء، والذهب الذي يلبس للزينة لا يُعد كذلك.
نية المرأة وعرف المجتمع
أكدت دار الإفتاء المصرية أن الحكم الشرعي في زكاة الذهب يعتمد على «نية المرأة» أولًا، فإن كانت نيتها هي الزينة والاستخدام الشخصي المعتاد، فلا زكاة عليها، أما إذا نوت الادخار أو التجارة أو الاستثمار في الذهب، فإنه يصبح من الأموال النامية التي تجب فيها الزكاة، كما أن «العرف الاجتماعي» له دور في تحديد ما إذا كان الذهب يُعد زينة فعلية أم ادخارًا، فإذا جرت العادة في المجتمع على ارتداء هذا الذهب للزينة في المناسبات أو الحياة اليومية، فلا زكاة فيه، أما إن كان محفوظًا في الخزائن ولا يُستخدم، فحينها يُعامل معاملة المال المدخر وتجب عليه الزكاة بنسبة 2.5% سنويًا.
اختلاف الفقهاء رحمة للأمة
بيّنت دار الإفتاء أن «اختلاف الفقهاء» في هذه المسألة ليس تضادًا بل رحمة بالأمة وتيسير على الناس، إذ أن كل مذهب استند إلى أدلة شرعية معتبرة، فالبعض تمسك بعموم النصوص التي تأمر بإخراج الزكاة عن الذهب والفضة دون استثناء، فيما رأى آخرون أن الأحاديث التي ورد فيها استثناء الحلي من الزكاة أقرب إلى روح التيسير، وقد رجحت دار الإفتاء الرأي القائل بعدم وجوب الزكاة على ذهب الزينة المستعمل للزينة المباحة، مستندة إلى أن «الأصل في العبادات التيسير لا التعسير».
الزكاة طهرة للمال والنفس
وفي سياق الحديث عن الزكاة، أكدت الدكتورة زينب السعيد أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن الزكاة ليست مجرد عبادة مالية تؤدى بالأرقام، بل هي مقياس لعلاقة الإنسان بربه، فإخراج الزكاة يطهر المال والنفس من الشح والطمع، ويعمّق شعور المؤمن بالمسؤولية تجاه الفقراء والمحتاجين، مشيرة إلى أن الناس في تعاملهم مع الله ينقسمون إلى ثلاث فئات «المحبون»، و«التجار»، و«العبيد».
وأوضحت أن «المحبين» هم الذين يؤدون الزكاة بدافع الحب لله لا لمجرد الواجب، بل يتطوعون بالزيادة عليها، مثل سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي تصدق بكل ماله وقال «تركت لهم الله ورسوله»، أما «التجار» فهم الذين يخرجون الزكاة طلبًا للثواب والمكافأة من الله، في حين أن «العبيد» يؤدونها خوفًا من العقاب فقط دون أن تمتد أيديهم بالعطاء بعد ذلك، وهذه أدنى درجات التعامل مع الله.
في المال حق غير الزكاة
تابعت أمين الفتوى أن المسلم لا ينبغي أن يكتفي بأداء الزكاة المفروضة فقط، بل يسعى ليكون من المحبين الذين يتصدقون حبًا في الله، لأن في المال حقًّا غير الزكاة كما قال النبي ﷺ «إن في المال لحقًّا غير الزكاة»، فإذا رأى الإنسان فقيرًا أو محتاجًا وجب عليه أن يعينه حتى لو كان قد أدى زكاته، فالغرض من الزكاة هو تحقيق التكافل لا مجرد إسقاط الفريضة، كما أن إخراج الزكاة والصدقات يُعد سببًا في البركة ودفع البلاء، لقول النبي ﷺ «داووا مرضاكم بالصدقة».
الزكاة بين العبادة والمجتمع
بيّنت دار الإفتاء أن الزكاة ليست عبادة مالية فحسب، بل هي نظام اجتماعي واقتصادي يهدف إلى توزيع الثروة بعدالة بين الناس، فهي تسد حاجات الفقراء وتحمي المجتمع من الفوارق الطبقية القاسية، وتحقق التوازن في توزيع الأموال، ولذلك فإن أداء الزكاة بإخلاص يزيد البركة في الرزق ويحفظ المال من الضياع، مؤكدة أن المرأة التي تخرج زكاة ذهبها إذا كان مدخرًا أو للتجارة تؤجر مرتين، مرة على إخراج الزكاة ومرة على صدق نيتها.
الحكمة من تشريع الزكاة في الذهب
إن تشريع الزكاة في الذهب والفضة له حكمة عظيمة، لأن الذهب غالبًا ما يمثل ثروة يمكن أن تُكنز وتُدخر، والزكاة جاءت لمنع تكديس الأموال دون فائدة، وتحفيز الناس على تداولها في وجوه الخير، لذلك فإن من تمتلك ذهبًا بقصد الاستثمار يجب أن تزكي عنه، أما من تحتفظ به للزينة المباحة، فإن رحمة الإسلام ترفع عنها الحرج ولا توجب عليها زكاة، وهذا ما أكدته دار الإفتاء في بيانها الرسمي حول «زكاة الذهب المستخدم للزينة».
يتضح أن الإسلام راعى في مسألة «زكاة الذهب المستخدم للزينة» نية الإنسان وظروفه، فجعل الزكاة واجبة إذا كان الذهب مالًا ناميًا يقصد به الادخار أو التجارة، وغير واجبة إذا كان مجرد زينة، وهذا من عدل الشريعة ورحمتها، فالنية أساس العبادة، والزكاة عنوان للطهر والعطاء، ومن يخرجها بصدق ينال بركة في رزقه وراحة في قلبه، قال تعالى «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها»، فإخراج الزكاة ليس نقصًا في المال بل زيادة فيه، لأنها «تفتح أبواب الرزق وتغلق أبواب البلاء».



