في اليوم العالمي لجبل إيفرست.. من صاحب أول بصمة على قمته؟

يحتفل العالم اليوم بـ «اليوم العالمي لجبل إيفرست» الذي يعد «أعلى قمة على وجه الأرض» ويبلغ ارتفاعه نحو 8848 مترًا فوق سطح البحر، في مناسبة تستدعي الوقوف على أولئك الذين صنعوا المجد بتسلق هذا الجبل الشاهق، وعلى رأسهم الرجل الذي سطر اسمه في التاريخ كأول من وضع «بصمته» على قمة إيفرست، وترك خلفه حكاية لا تزال تُروى حتى اليوم، حكاية تتجاوز حدود المغامرة الجغرافية لتصل إلى الإصرار البشري على تحدي المستحيل.
قمة التحدي، وقصة البداية
على الرغم من أن حلم الصعود إلى قمة «إيفرست» راود المغامرين منذ القرن التاسع عشر، إلا أن تحقيق هذا الحلم ظل مستعصيًا لعقود طويلة بسبب «الظروف المناخية القاسية» و«الارتفاع الهائل» وصعوبة الوصول إلى القمة التي لا ترحم من يخطو نحوها بلا استعداد، واستمرت المحاولات تتوالى من متسلقين ومغامرين من شتى أنحاء العالم حتى جاء عام 1953 ليحمل معه حدثًا تاريخيًا غيّر كل شيء.
في 29 مايو من ذلك العام، نجح المتسلق النيوزيلندي «إدموند هيلاري» والمرشد النيبالي «تينزينغ نورغاي» في الوصول إلى قمة جبل إيفرست، ليصبحا أول من وضع قدميه على سقف العالم، في لحظة وُصفت بـ«الإنجاز الأعظم» في تاريخ تسلق الجبال، لتُكتب أسماؤهما بأحرف من ذهب في سجل المغامرات البشرية التي لا تُنسى.
هيلاري ونورغاي.. الثنائي الأسطوري
وُلد «إدموند هيلاري» في نيوزيلندا عام 1919، وكان يتمتع بشخصية شغوفة بالجبال والمغامرة منذ صغره، أما «تينزينغ نورغاي» فهو نيبالي من عرقية الشيربا، نشأ في أعالي جبال الهملايا وعرف مسالكها وخفاياها، مما جعله خير دليل ومرافق في رحلات التسلق، وبدون هذا التعاون الفريد، ربما لم يكن هذا الإنجاز ليتحقق.

بدأت رحلة الصعود إلى «إيفرست» في أوائل مايو 1953، ضمن حملة بريطانية ضخمة شملت أكثر من 400 شخص، من متسلقين وعمال ومرشدين، وكانت الخطة تقوم على تهيئة المسارات ونصب المعسكرات تدريجيًا للوصول إلى النقطة المناسبة للانطلاق نحو القمة، وبعد عدة محاولات ومحطات متقطعة من التوقف بسبب الطقس، نجح هيلاري ونورغاي في الوصول أخيرًا إلى قمة «إيفرست» عند الساعة 11:30 صباحًا من يوم 29 مايو.
ماذا قالوا بعد الوصول؟
عند وصوله إلى القمة، قال «إدموند هيلاري» عبارته الشهيرة «لقد تغلبنا على هذا اللقيط»، في إشارة إلى الجبل الذي طالما مثل تحديًا للعقل والجسد، بينما قام نورغاي بغرس أعلام نيبال وبريطانيا والأمم المتحدة في الثلج، وسجد شكرًا كما تقتضي التقاليد البوذية التي كان يؤمن بها، ولم ينسيا التقاط الصور التذكارية، على الرغم من أن الكاميرا لم تُستخدم لتصوير هيلاري نفسه فوق القمة، إذ إن نورغاي لم يكن يجيد استخدامها، فظل هيلاري هو من التقط الصور فقط.
هذا الإنجاز لم يكن مجرد صعود إلى جبل، بل كان دليلًا على أن «الإرادة البشرية» قادرة على تجاوز كل الحواجز، وأن «إيفرست» لم يعد حلمًا بعيدًا بل حقيقة يمكن بلوغها بالإصرار والتخطيط والتعاون.
إرث لا يُنسى
تحول يوم 29 مايو إلى «رمز عالمي» للاحتفال بجبل «إيفرست» وبأولئك الذين تحدوا الموت والثلج والرياح ليصلوا إلى الأعلى، وتم إعلان هذا اليوم رسميًا باسم «اليوم العالمي لجبل إيفرست»، لتكريم كل من خاطر بحياته من أجل استكشاف هذا المعلم الجغرافي الفريد، ويُحتفى في هذا اليوم سنويًا بالمتسلقين والباحثين والمرشدين المحليين الذين لا يزالون حتى اليوم يقدمون أرواحهم قربانًا لهذا التحدي المستمر.
ومن اللافت أن عدد من نجحوا في تسلق «إيفرست» منذ هيلاري ونورغاي وحتى اليوم قد تجاوز 6000 شخص، بينما فقد المئات حياتهم خلال الرحلات، مما يبرز أن الصعود إلى القمة لا يزال محفوفًا بالمخاطر رغم التطور التكنولوجي في المعدات والأساليب.
إيفرست اليوم.. بين السياحة والخطر
في العصر الحديث، لم يعد «إيفرست» حكرًا على المغامرين المحترفين فقط، بل أصبح مقصدًا للسياح والهواة الذين يرغبون في عيش تجربة تسلق واحدة من أعظم قمم العالم، ومع ذلك، فقد أثار هذا التحول جدلًا واسعًا حول مخاطر الازدحام والتلوث البيئي الذي قد يتسبب في تشويه البيئة الجبلية الهشة التي تميز «إيفرست».
تقوم الحكومة النيبالية اليوم بفرض رسوم عالية وشروط صارمة لمنح تصاريح التسلق، بهدف تقليل الأعداد وضمان السلامة البيئية، كما تشترط وجود أدلة محليين مرخصين ضمن كل بعثة، حفاظًا على حياة المتسلقين وتقديرًا لجهود مجتمعات الشيربا الذين كانوا وما زالوا «العمود الفقري» لأي نجاح على الجبل.
في اليوم العالمي لجبل «إيفرست»، يستحضر العالم قصة الإنسان الذي أراد أن يصل إلى السماء، فوصل، لا ليباهي أو يتباهى، بل ليقول إن «التحدي» ليس مجرد صراع بين الإنسان والطبيعة، بل هو قصة «إيمان» و«صبر» و«عزيمة» لا تلين، ويظل «إيفرست» شاهدًا على ذلك الإصرار الذي لا ينكسر، ورمزًا خالدًا للإنجاز البشري.