من يد المهربين إلى حضن الوطن.. مصر تستعيد كنوزا أثرية من باريس

في إنجاز جديد يعكس إصرار الدولة المصرية على حماية تراثها واستعادة كنوزها الحضارية المنهوبة، سلمت وزارة الخارجية إلى وزارة السياحة والآثار، مجموعة جديدة من القطع الأثرية المصرية التي تم استردادها من فرنسا، وذلك استمرارًا لجهود الحكومة في استرجاع الآثار المهربة إلى الخارج، تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية.
كنوز فرعونية من عصور ما قبل الميلاد
القطع التي جرى تسليمها تنتمي إلى الحقبة المتأخرة من العصور الفرعونية، وتضم قطعًا نادرة من بينها تابوت نذري مصنوع من الحجر الجيري، وتمثال لرجل من الحجر الجيري كذلك، فضلًا عن تمثال خشبي يجسد الإله أنوبيس في هيئة ابن آوى، وهو رمز هام في الديانة المصرية القديمة باعتباره حارسًا للجبانة ومرافقًا للأرواح في العالم الآخر.

كما تضمنت القطع المستردة يدين خشبيتين تم نزعهما من توابيت ملونة فرعونية، إلى جانب ثلاث لفائف نادرة من أوراق البردي، مختومة بأختام ملكية، ووعاء أسطواني مُخصص لحفظ هذه اللفائف، وقد نُقش عليه نص باللغة الهيروغليفية، ما يُبرز قيمته التاريخية والأثرية الكبيرة.
بتوجيه من الرئيس السيسي
وأكدت وزارة الخارجية المصرية أن استرداد هذه القطع يأتي تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بضرورة حماية التراث المصري واستعادة كافة الآثار التي نُهبت عبر السنوات، والتصدي لكافة أشكال تهريب المقتنيات الأثرية إلى الخارج، باعتبارها جزءًا أصيلًا من هوية الدولة وأحد مكونات قوتها الناعمة.

وأضافت الوزارة أن الدولة المصرية تضع هذا الملف ضمن أولوياتها الوطنية، وأن كل الجهات المعنية تعمل بتناغم تام في هذا الاتجاه، من أجل الحفاظ على إرث حضاري لا يقدّر بثمن.
السفارة المصرية في باريس تقود جهود الاستعادة
وكانت السفارة المصرية في باريس قد نجحت بالتعاون مع وزارة الداخلية الفرنسية، في استرداد هذه القطع الأثرية النادرة، بعد إحباط محاولة بيعها من قبل مجموعة من المهربين في السوق السوداء.
وأشارت الخارجية إلى أن وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي، حرص على حضور مراسم تسلم القطع في فبراير الماضي، بمقر السفارة المصرية في باريس، تأكيدًا لأهمية الحدث، ولدور البعثة المصرية في الخارج في حماية تراث الوطن وملاحقة كل من يعبث بمقدراته.

انتصار قانوني في محاكم باريس
ولم تكتف الدولة المصرية بالجهود الدبلوماسية فقط، بل خاضت أيضًا معركة قانونية انتهت بانتصار جديد لمصر. فقد قامت وزارة الخارجية، بالتنسيق مع هيئة قضايا الدولة ووزارة السياحة والآثار، بالدخول كطرف مدعٍ بالحق المدني في القضية التي نظرتها محكمة فرنسية ضد المتهمين بتهريب الآثار.
وأسفرت الجهود القانونية عن صدور حكم نهائي يدين المتهمين، مع إلزامهم بسداد تعويض مادي لصالح الدولة المصرية قدره 23 ألف يورو، ما يشكل سابقة إيجابية تفتح الباب أمام المزيد من الدعاوى القانونية الناجحة في قضايا مشابهة حول العالم.

ثلاث عمليات استرداد خلال شهر واحد
اللافت أن هذا الإنجاز يأتي في إطار سلسلة من النجاحات المتوالية خلال فترة قصيرة. فقد أوضحت وزارة الخارجية أن هذه هي المرة الثالثة فقط خلال شهر مايو الجاري التي تقوم فيها بتسليم قطع أثرية نادرة إلى وزارة السياحة والآثار بعد استعادتها من الخارج.
وسبق هذا الحدث تسليم 25 قطعة أثرية كانت قد استردتها القنصلية العامة المصرية في نيويورك من السلطات الأمريكية، كما تلاه تسليم 20 قطعة أثرية أخرى استعادتها مصر من أستراليا، عبر بعثتيها الدبلوماسيتين في كانبرا وسيدني، وهو ما يؤكد تصاعد وتيرة الإنجازات في هذا الملف الحيوي.

السياحة والآثار.. مستمرون في المعركة
من جانبها، عبرت وزارة السياحة والآثار عن تقديرها للجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الخارجية، مؤكدة أن هذه الخطوة تعزز من رؤية الدولة نحو حماية الآثار والتراث القومي، كما شددت على أن القطع المستردة سيتم إخضاعها لأعمال ترميم دقيقة قبل عرضها في المتاحف المصرية، بما يتيح للزوار من داخل مصر وخارجها فرصة الاطلاع على الكنوز التي كانت مهددة بالضياع.

إرادة لا تلين
وفي ضوء هذه التطورات، تؤكد مصر من جديد أنها لن تتوانى في استعادة كل قطعة أثرية خرجت من أراضيها بطرق غير مشروعة، وأنها تمتلك الإرادة والإمكانات الدبلوماسية والقانونية التي تمكّنها من فرض سيادتها على تاريخها، مهما طال الزمن.
فتراث مصر ليس مجرد ماضٍ، بل هو حاضرٌ حيّ، وركيزة من ركائز الهوية التي لا يمكن التفريط فيها.