بعد عقد من الزمان.. كيف تغيرت حياة أطفال فيروس زيكا في البرازيل؟

زيكا لا يزال يشكل هاجسًا صحيًا لدى آلاف العائلات في البرازيل، فبعد مرور عقد كامل على تفشي فيروس زيكا بشكل واسع في البلاد عام 2015، لا تزال تداعيات هذا المرض الفيروسي تفرض نفسها بقوة على الواقع اليومي للأطفال الذين وُلدوا في تلك الفترة، فقد ترك «فيروس زيكا» آثارًا عميقة على أدمغة المواليد الذين أصيبوا به وهم في أرحام أمهاتهم، مما جعلهم يواجهون تحديات صحية وتنموية جسيمة تستمر معهم لسنوات طويلة.
البداية المأساوية
مع حلول عام 2015، بدأت البرازيل تشهد تزايدًا مقلقًا في حالات ولادة أطفال مصابين بتشوهات في الدماغ، سرعان ما ارتبطت بالإصابة بفيروس زيكا أثناء الحمل، وقد تسبب هذا الفيروس الذي ينقله البعوض في حالة من الهلع الصحي حيث لم يكن معروفًا في السابق مدى تأثيره المدمر على الأجنة، وخلال أشهر قليلة، تم ربط آلاف الحالات من «صغر حجم الرأس» لدى الأطفال بعدوى زيكا، ليتم إعلان حالة الطوارئ الصحية العامة في البلاد.
الأطفال الذين تغير مصيرهم
اليوم وبعد مرور 10 سنوات، نجد أن الأطفال الذين وُلدوا وهم يحملون آثار فيروس زيكا يواجهون واقعًا معقدًا يتطلب دعمًا مستمرًا من المجتمع والدولة، فمعظم هؤلاء يعانون من إعاقات عقلية وجسدية تجعل حياتهم اليومية مليئة بالتحديات، فهم يحتاجون إلى رعاية صحية مستمرة، وجلسات علاج طبيعي مكثفة، ومتابعة طبية متعددة التخصصات، مما يشكل عبئًا نفسيًا وماديًا على أسرهم.
وتقول إحدى الأمهات في تقرير حديث «ابني لا يستطيع الكلام أو المشي بشكل طبيعي، وكل يوم نبدأ معه رحلة من التمارين والعلاج في محاولة لتحسين حالته»، مشيرة إلى أن الدعم الذي كانت تحصل عليه قبل سنوات بدأ يقل تدريجيًا مع تراجع الاهتمام الإعلامي والصحي بالقضية.
تراجع الدعم وغياب العدالة
ورغم أن الحكومة البرازيلية قدمت في السنوات الأولى بعد تفشي فيروس زيكا مجموعة من المساعدات للعائلات المتضررة، فإن العديد من الأسر اليوم تشكو من «تراجع الرعاية والدعم المالي»، فقد أصبح الحصول على جلسات العلاج اللازمة تحديًا في ظل نقص الإمكانيات وازدحام المراكز الصحية، وتُحذر منظمات إنسانية من أن «نقص الدعم المستمر قد يفاقم من معاناة هؤلاء الأطفال ويقيد فرصهم في تحسين حالتهم الصحية».
ويُضاف إلى ذلك أن بعض الأطفال المصابين بآثار زيكا لم يتمكنوا من الحصول على الدعم في بدايات الأزمة لأن أعراضهم كانت أقل وضوحًا في البداية، مما جعلهم خارج مظلة الرعاية لاحقًا، وهو ما يسلط الضوء على «غياب العدالة في التعامل مع تداعيات الأزمة».
مدارس غير مؤهلة
من التحديات الكبيرة التي يواجهها أطفال زيكا اليوم هي البيئة التعليمية، فغالبية المدارس العامة في البرازيل لا تزال تفتقر إلى التجهيزات التي تتيح استقبال طلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أن المدرسين غير مؤهلين بشكل كاف للتعامل مع هذه الحالات، مما يجعل «الاندماج التعليمي» لهؤلاء الأطفال أمرًا صعبًا، ويفرض على الأسر اللجوء إلى مراكز خاصة تتطلب تكاليف باهظة.
وتقول إحدى المعلمات «في بعض الحالات نحاول دعم هؤلاء الأطفال بوسائل بديلة، ولكننا نواجه صعوبة في المتابعة لعدم توفر الخبرة أو الموارد اللازمة»، مما يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول مدى استعداد المنظومة التعليمية في البرازيل لاحتواء أزمة طويلة الأمد مثل تلك التي تسبب بها فيروس زيكا.
أمل رغم التحديات
ورغم الصورة القاتمة، هناك قصص نجاح ملهمة لبعض الأطفال المصابين بفيروس زيكا، حيث استطاع عدد منهم، بفضل العلاج المكثف والدعم الأسري المتواصل، تحقيق تحسن تدريجي في قدراتهم الذهنية والحركية، كما أن بعض المراكز الصحية الخاصة تبنت برامج تأهيلية طويلة المدى ساعدت عددًا من الأطفال على تعلم بعض المهارات الأساسية التي تعينهم على الاستقلال النسبي.
ويُعد هذا النوع من القصص دافعًا للأسر الأخرى للاستمرار في المعركة الطويلة التي تخوضها ضد آثار فيروس زيكا، كما أنه يشير إلى أن «الاستثمار في الرعاية المبكرة والتأهيل المستمر» يمكن أن يحدث فرقًا حقيقيًا في حياة هؤلاء الأطفال.
نظرة العالم لما بعد الأزمة
العالم الذي تابع باهتمام بالغ تفشي فيروس زيكا قبل 10 سنوات، يبدو اليوم أقل اهتمامًا بتبعاته المستمرة، إلا أن الخبراء يؤكدون أن «أزمة زيكا لا تزال قائمة وإن لم تعد على صدر نشرات الأخبار»، فالتجربة البرازيلية يجب أن تكون درسًا للعالم في كيفية إدارة الأزمات الصحية الممتدة، وتقديم رعاية مستدامة للمتضررين وليس فقط الاهتمام المؤقت.
كما أن ما حدث في البرازيل يسلط الضوء على العلاقة المعقدة بين الفقر والعدوى، حيث كانت المناطق الأكثر تضررًا من زيكا هي الأحياء الفقيرة التي تعاني من ضعف البنية التحتية الصحية وتفشي البعوض، وهو ما يجعل من المهم الاستثمار في تحسين ظروف المعيشة في تلك المناطق من أجل الوقاية من موجات جديدة في المستقبل.
لا يمكن الحديث عن فيروس زيكا دون الاعتراف بأن ما تركه من آثار على الأطفال في البرازيل بعد مرور عقد من الزمان لا يزال مؤلمًا، فـ«الأطفال الذين أصيبوا بزيكا يدفعون ثمنًا باهظًا لعدوى لم يكن لهم يد فيها»، وعلى الرغم من الجهود الفردية والمؤسسية المبذولة، فإن الحاجة إلى خطة وطنية شاملة تضمن لهم الرعاية والكرامة تظل مطلبًا أساسيًا.
«الاستمرار في تسليط الضوء على زيكا وآثاره» هو مسؤولية المجتمع الدولي، تمامًا كما كان التدخل السريع أثناء الأزمة، لأن أولئك الأطفال ليسوا مجرد أرقام في تقارير صحية، بل هم أرواح بريئة تحتاج إلى فرصة للحياة والنمو والكرامة.