«شائعة الفيروس» تربك سوق الدواجن في مصر.. والحكومة ترد بحزم

في وقت حساس يشهد فيه سوق الغذاء المصري تقلبات متكررة، فجرت شائعة عن نفوق أعداد كبيرة من الدواجن موجة من الارتباك بين المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وسط مخاوف من عودة سيناريوهات نقص المعروض وارتفاع الأسعار، كما حدث في أوقات سابقة.
القصة بدأت بتصريحات إعلامية أطلقها نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن، ثروت الزيني، تحدث فيها عن «نفوق ما يقرب من 30% من الثروة الداجنة»، بسبب ما وصفه بـ«فيروس وبائي موسمي»، وهو التصريح الذي تداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، مما أثار حالة من الذعر.
لكن لم تمر ساعات قليلة حتى خرج محمود العناني، رئيس اتحاد منتجي الدواجن، ليُقلّل من هذه التصريحات، مؤكدًا أن ما يحدث «لا يخرج عن كونه حالات نفوق طبيعية في بعض المزارع نتيجة التقلبات الجوية»، وهو الأمر الذي وصفه بأنه «مشابه لما يحدث كل عام»، خاصة في مثل هذا التوقيت من تغيرات المناخ.
الحكومة تنفي وتتحرك سريعًا.. لا فيروسات ولا متحورات
في المقابل، تحركت الحكومة المصرية بسرعة لنفي صحة الشائعات واحتواء الذعر، فأصدر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء بيانًا حاسمًا، أكد فيه أنه «لا وجود لأي فيروسات أو متحورات وبائية منتشرة بين الدواجن»، موضحًا أن «التحصينات متوفرة بكميات كافية ولا يوجد أي عجز بها».
وأكد البيان أن «حملات الترصد الوبائي مستمرة على مستوى الجمهورية»، وأنه «يتم سحب عينات دورية من المزارع والأسواق وتحليلها في معامل بحوث صحة الحيوان، للتأكد من سلامة الدواجن وخلوها من أي أمراض وبائية».
وشدد المركز على أنه «في حال اكتشاف أي بؤرة، يتم التعامل معها بشكل فوري من خلال إجراءات احترازية صارمة».

وزير الزراعة.. معدلات النفوق طبيعية ولا تدعو للذعر
وفي مداخلة تلفزيونية، خرج الدكتور علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، ليؤكد أن ما يتردد عن «وضع وبائي» ليس صحيحًا، مضيفًا أن «نسب النفوق الحالية تتراوح بين 3% إلى 6%»، وهي نسب طبيعية جدًا وتتوافق مع المعايير العالمية، خصوصًا في ظل الظروف المناخية التي تمر بها البلاد.
وأوضح الوزير أن مصر تنتج سنويًا نحو 1.55 مليار طائر، ما يغطي حوالي 98% من الاستهلاك المحلي، مؤكدًا أن بيض المائدة يشهد اكتفاءً ذاتيًا كاملاً بإنتاج سنوي يبلغ 15.5 مليار بيضة.
اعتراف بحالات نفوق.. ولكن تحت السيطرة
رغم الطمأنات الرسمية، اعترف الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية، بوجود «حالات نفوق فعلية» في بعض المزارع، لكنه أكد أنها «في إطار النسبة الموسمية المعتادة»، مرجعًا السبب إلى ارتفاع درجات الحرارة وتقلبات الطقس، وليس بسبب أي فيروس أو وباء.
وأشار إلى أن بعض المزارع الصغيرة «تستخدم تطعيمات منخفضة الجودة لتوفير النفقات»، مما يؤدي إلى تراجع مناعة الطيور في مواجهة التغيرات المناخية، رغم أن الدولة توفر أفضل أنواع التحصينات البيطرية مجانًا أو بأسعار رمزية.
السيد أشار كذلك إلى أن «الشائعة أثرت مباشرة على السوق»، موضحًا أن سعر كيلو الفراخ البيضاء ارتفع خلال ساعات من 87 إلى أكثر من 90 جنيهًا، رغم ثبات تكاليف الإنتاج في غالبية المناطق.
سوق كبير في مرمى الشائعات
تُعد صناعة الدواجن في مصر من أكبر القطاعات الزراعية والصناعية، ويُقدَّر حجم الاستثمارات فيها بأكثر من 200 مليار جنيه، منها ما يقرب من 80% لدى صغار المربين، بينما تملك الشركات الكبرى الحصة المتبقية، حسب بيانات وزارة الزراعة.
ويرى خبراء أن تشتيت السوق بمعلومات غير دقيقة يُلحق أضرارًا مباشرة بصغار المنتجين والمستهلكين في آن واحد، مطالبين بضرورة «تحقيق توازن بين حرية التصريحات الإعلامية ومصداقيتها»، مشيرين إلى أن نشر معلومات دون تحقق علمي قد يدفع البعض إلى اتخاذ قرارات استثمارية خاطئة أو التوقف عن الإنتاج.
دور الإعلام بين التوعية والتأزيم
ووجه عدد من المتخصصين انتقادات لبعض المنصات الإعلامية التي تبنت تصريحات غير مؤكدة دون الرجوع إلى الجهات الرقابية أو البحثية، مؤكدين أن الضوابط المهنية تقتضي التحقق من الجهات العلمية قبل بث أي أخبار ترتبط بصحة المواطن أو أمنه الغذائي.
في المقابل، طالب البعض بإطلاق قناة تواصل رسمية بين الحكومة واتحاد منتجي الدواجن لتوضيح البيانات بشكل سريع ومنع تضارب التصريحات، لا سيما أن صناعة الغذاء ترتبط مباشرة بالأمن القومي.
توصيات الخبراء
دعا خبراء الإنتاج الحيواني إلى تعزيز منظومة التحصينات البيطرية للمزارع الصغيرة، وفرض رقابة صارمة على جودة اللقاحات المستخدمة، كما أوصوا بتكثيف حملات التوعية حول كيفية التعامل مع موجات الطقس المتقلبة التي قد تؤثر على صحة الدواجن، وتوفير دعم لوجيستي وفني لصغار المربين.
في ظل حجم الشائعات المتزايد وتأثيره على الأسواق، يبدو أن مصر بحاجة إلى مزيد من التنسيق الإعلامي بين الجهات الرسمية والقطاع الخاص، لضمان استقرار صناعة حيوية تمس حياة الملايين.
وبينما تؤكد الحكومة السيطرة على الوضع، فإن استمرار المتابعة الميدانية والشفافية في عرض الحقائق يظلان الخيار الأفضل لمواجهة أي أزمات مستقبلية.