دراسة تكشف علاقة «فرط الحركة» بالإبداع ونجاح المشاهير

فرط الحركة ليس مجرد اضطراب سلوكي كما يظن البعض، بل هو حالة معقدة تحمل في طياتها طاقة كبيرة يمكن أن تتحول إلى مصدر للإبداع والتميز، فقد كشفت دراسة حديثة أن الأشخاص الذين يعانون من «فرط الحركة» يتمتعون بمستويات أعلى من الخيال والابتكار مقارنة بغيرهم، وأنهم يميلون إلى التفكير خارج الصندوق وابتكار حلول غير تقليدية للمشكلات، الأمر الذي جعل العديد من العلماء يعيدون النظر في النظرة التقليدية تجاه «فرط الحركة» ويرونه اليوم كعامل قد يسهم في تحقيق النجاح بدلاً من أن يكون عائقًا أمامه.
دراسة علمية تكشف أسرار العلاقة بين فرط الحركة والإبداع
الدراسة التي أُجريت في إحدى الجامعات الأمريكية تناولت عدداً من المشاركين الذين تم تشخيصهم بـ«فرط الحركة وتشتت الانتباه»، ووجد الباحثون أن هؤلاء الأشخاص لديهم قدرة ملحوظة على «التركيز الانتقائي» عندما يعملون على مشاريع تثير شغفهم، كما أن عقولهم تعمل بطريقة مختلفة تجعلهم أكثر استعدادًا لتوليد الأفكار الجديدة، وقد لاحظ العلماء أن النشاط المفرط في الدماغ لدى المصابين بـ«فرط الحركة» يسهم في تحفيز مناطق الإبداع ويجعلهم أكثر مرونة في التفكير.
مشاهير حول العالم يعانون من فرط الحركة وحققوا نجاحات مذهلة
من اللافت أن عدداً من أبرز المبدعين والمشاهير في العالم تحدثوا علناً عن إصابتهم بـ«فرط الحركة» منذ الصغر، ومن بينهم الممثل الأمريكي الشهير جيم كاري الذي اعترف بأن نشاطه الزائد وسرعة أفكاره كانت سبباً في تكوين شخصيته الكوميدية الفريدة، كذلك المخرج ستيفن سبيلبرغ الذي قال إن «فرط الحركة» منحه القدرة على التركيز في أكثر من مشروع في وقت واحد، وهناك أيضا مايكل فيلبس السباح الأسطوري الذي حطم الأرقام القياسية رغم إصابته بـ«فرط الحركة» والذي أكد أن الطاقة الهائلة التي يمتلكها كانت دافعه الأساسي نحو التدريب المستمر وتحقيق الإنجازات، وتعد هذه النماذج خير دليل على أن «فرط الحركة» قد يكون سلاحًا إيجابيًا إذا تم توجيهه بالشكل الصحيح.
كيف يسهم فرط الحركة في توليد الإبداع
توضح الدراسة أن «فرط الحركة» يمنح الأفراد نشاطًا ذهنيًا لا محدودًا، حيث تكون أدمغتهم في حالة من «الاستيقاظ الدائم» مما يسمح لهم بالربط بين أفكار متباعدة وصياغة تصورات جديدة، كما أن الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة يمتلكون خيالًا خصبًا يجعلهم أكثر قدرة على إنتاج أفكار مبتكرة في مجالات الفن والعلم والتكنولوجيا، وتشير الأبحاث إلى أن الدماغ النشيط باستمرار لدى المصابين بـ«فرط الحركة» يفرز كميات مختلفة من الدوبامين، وهو الهرمون المسؤول عن التحفيز والمكافأة، مما يجعلهم يشعرون بالحماس تجاه التحديات ويبدعون تحت الضغط.
الجانب الإيجابي في التعامل مع فرط الحركة
بدلاً من النظر إلى «فرط الحركة» كعبء، بدأت الكثير من المؤسسات التعليمية والمهنية تتبنى أساليب جديدة لاحتواء هذه الطاقة وتوجيهها نحو النجاح، فبدلاً من محاولة كبحها يتم استغلالها من خلال مهام تتطلب الإبداع والابتكار، مثل التصميم والفن والبحث العلمي والقيادة، كما يشير خبراء علم النفس إلى أهمية تشجيع الأطفال المصابين بـ«فرط الحركة» على ممارسة الرياضة والفنون لأنها تساعد على تفريغ الطاقة وتحسين التركيز، ومع الدعم الأسري والتفهم يمكن تحويل ما يبدو كاضطراب إلى نقطة قوة حقيقية.
التحديات التي يواجهها المصابون بفرط الحركة
بالرغم من الجوانب الإيجابية، لا يمكن إنكار أن المصابين بـ«فرط الحركة» يواجهون صعوبات في بعض جوانب الحياة اليومية، مثل صعوبة التركيز لفترات طويلة أو الالتزام بالروتين، مما قد يؤثر على أدائهم الدراسي أو المهني إذا لم يتلقوا الدعم المناسب، ومع ذلك تشير الأبحاث الحديثة إلى أن البيئة المحيطة تلعب دوراً كبيراً في تحديد ما إذا كانت هذه الحالة ستتحول إلى مشكلة أو إلى مصدر إبداع، فحين يتلقى الفرد التشجيع والتوجيه الصحيح يصبح أكثر قدرة على استغلال طاقته في الابتكار.
دور الأسرة والمجتمع في احتواء فرط الحركة
تلعب الأسرة دوراً محورياً في التعامل مع «فرط الحركة»، إذ ينبغي أن يكون الوالدان على دراية بخصائص هذه الحالة حتى يتمكنا من التعامل مع الطفل بطريقة إيجابية، فالتوبيخ والعقاب لا يفيدان بل يزيدان من حدة الأعراض، بينما التشجيع المستمر وتقدير الجهد يساعدان الطفل على اكتساب الثقة بالنفس وتحويل طاقته إلى إنجاز، كما يجب على المدارس أن توفر بيئات تعليمية مرنة تراعي احتياجات هؤلاء الطلاب، لأن «فرط الحركة» لا يعني ضعفاً في الذكاء بل على العكس كثير من المصابين يتمتعون بقدرات ذهنية متميزة.
كيف يمكن تحويل فرط الحركة إلى نجاح
لتحويل «فرط الحركة» إلى نقطة انطلاق نحو النجاح، يجب على الفرد أن يتعرف على طبيعة حالته أولاً، وأن يستخدم طاقته في مجالات يحبها ويبرع فيها، كما يمكنه ممارسة التأمل أو تمارين التنفس التي تساعد على تهدئة الذهن وتنظيم الانفعالات، ومن المهم أن تكون أهدافه محددة وواضحة حتى يتمكن من توجيه نشاطه بشكل فعّال، وتشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يستخدمون طاقتهم الإيجابية ويبحثون عن بيئات محفزة يحققون إنجازات تفوق أقرانهم.
فرط الحركة بين العلم والإلهام
لقد أصبح «فرط الحركة» اليوم موضوعاً مثيراً للبحث والإلهام في آن واحد، فبدلاً من اعتباره اضطراباً يستدعي الخوف، يُنظر إليه كحالة عقلية مميزة يمكن أن تفتح آفاقاً جديدة للفكر والإبداع، وعندما نرى قصص نجاح المشاهير والعلماء الذين تحدوا الصعاب وأثبتوا أن «فرط الحركة» لم يكن عائقاً بل دافعاً، ندرك أن الأمر يتعلق بكيفية التقبل والتعامل وليس بالحكم المسبق، فالعقل النشيط والمتحرك قد يكون المفتاح الحقيقي للإبداع والتميز.